الكتاب رحمه الله، فقال في الحاشية:«لعل المؤلف يضيف الجواري إلى الأزواج؛ لأن الإسلام يحرم الزواج بأكثر من أربع»، وأقول: الصواب حذف «لعل» هذه.
ومن دقيق الفطنة هنا ما لاحظه الدكتور عبد العظيم الديب، قال:«إن ديورانت غيرَّ عبارة المؤرَّخين، فهم يقولون: «كان الرشيد يحج عاماً ويغزو عاما»، فغيَّرها إلى «يحج كل عامين» وأسقط الغزو، وفي هذا ما فيه. (المنهج في كتابات الغربييَّن عن التاريخ الإسلامي للدكتور عبد العظيم الديب ص ١٠٨ - كتاب الأمة - قطر ١٤١ هـ - ١٩٩٠ م).
ونعم كان الرشيد رجلاً لا ينسى نصيبه من الدنيا، مقبلًا عليها، آخذاً حظّه منها، قال الأصمعي:«كان الرشيد يحب السمر ويشتهي أحاديث الناس». لكن وراء ذلك دنيا حافلة بالغرائب والعجائب. قالوا: لم يكن أحد أحظى بالشعر منه، كما ذكر الجاحظ في الحيوان ٤/ ٣٨٣ - أي أكثر احتفالًا بالشعر، وقد اجتمع على مدحه من الشعراء ما لم يجتمع على أحد: أبو العتاهية، ومروان بن أبي حفصة، وسَلْم الخاسر، وابن مناذر، وأشجع السلمي، وكلثوم بن عمرو العتابي، ومنصور النمري، والعماني الراجز. وفوق هؤلاء جميعاً صديقه الأثير أبو نواس.
ومن وراء الشعر والشعراء كانت عناية الرشيد بالفقه والحديث واللغة والأدب، وما ظنك بملك يجتمع عنده الشافعي، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني، وسفيان بن عيينة، والفضيل بن عياض؟ وقد ألَّف له أبو يوسف «كتاب الخراج»، واقرأ مقدمة هذا الكتاب، وتأمل وصية أبو يوسف للرشيد، ففيها من الإخلاص في النصح، والصراحة في التوجيه ما لم يقدم عليه أبو يوسف إلا لأنه يعلم أنه سيجد من الرشيد صدراً واسعاً وأذناً واعية.
وما ظنك أيضاً بملك يجتمع عنده سيبويه والكسائي، ويتناظران بحضرته في المسألة النحوية الشهيرة، المعروفة بالمسألة الزنبورية؟ وبحضرته أيضاً تناظر الكسائي مع المفضل الضبي والأصمعي، وأبي محمد اليزيدي، وأبي يوسف (وانظر مجالس العلماء للزجاجي).