مجاهد، الذي نشرته دار المعارف بمصر أول مرة سنة ١٣٩٢ هـ = ١٩٧٢ م. وذلك بمراجعة كتابة آياته الكريمة على هجاء المصاحف المصرية المضبوطة، على ما يوافق رواية حفص عن عاصم، والمطابقة لما رواه علماء الرسم عن هجاء المصاحف التي بعث بها عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار الإسلامية.
٧ - وكانت آخر أعمال الشيخ مشاركته في لجنة طبع مصحف الملك فهد بن عبد العزيز، الذي صدر بالمدينة النبوية عام ١٤٠٥ هـ.
فهذا ما يحضرني الآن مما تركه الشيخ من علم مسطور مكتوب. أما أبقى أثر للشيخ وأخلده وأرجحه في موازينه إن شاء الله تعالى، فهو تلك المقارئ التي جلس فيها جلوساً عاماً للناس، وقد شغلت هذه المقارئ أيامه كلها، وأشهر هذه المقارئ مقرأة الإمام الشافعي يوم الجمعة، وقد أسندت إليه مشيختها عام ١٩٤٧ م وكان عدد الذين يحضرونها من القراء الرسميين أو المعتمدين من وزارة الأوقاف المصرية محدوداً جداً بجانب مختلف طوائف الناس التي كانت تحضر تلك المقرأة وغيرها من المقارئ، فكنت ترى الطبيب والمهندس والضابط والمحامي والموظف والتاجر والحرفي، والفتى الصغير، والشاب اليافع، والشيخ الفاني، مختلف الأعمار والمهن، يتحلقون حول الشيخ؛ يقرأون ويصحح، عيونهم مشدودة إلى شفتيه، وهو يروَّضهم على النطق الصحيح، يصبر على الضعيف حتى يقوى، ويرفُق بالمتعثر حتى يستقيم، لا يسأم ولا يمل، ولا زلت أذكره - رحمه الله - وهو يروَّض بعض إخواننا على ترقيق اللام من قوله تعالى:{رب إنهن أضللن}[إبراهيم: ٣٦]، وكان عسراً على هذا الأخ أن يرقق اللام بعد الضاد، فكان شيخنا يقرأ أمامه (أضللن) على مقطعين هكذا: (أضْ)(لَلْن) ويكرر المقطعين منفردين ثم يقرأهما معاً حتى يخلص له الترقيق المراد. وكذلك لا زلت أذكره وهو يروَّضنا على الخروج من التفخيم إلى الترقيق وبالعكس، في قوله تعالى:{ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}[الأنبياء: ٢٨]، فأنت هنا تفخم الراء وإن كان قبلها كسر؛ لأنه كسر عارض للتخلص من التقاء الساكنين، ثم ترقق التاء وتعود إلى تفخيم الضاد، وهكذا كنت تقضي العجب وأنت