للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن الله الذي تكفل بحفظ كتابه وفق طائفة من عبادة ذاذةً منافحين، قاموا لهذه المطاعن والشبهات، وألقوا بحججهم وبراهينهم فإذا هي تلقف ما يأفكون. ولعل أول حامل لهذا اللواء هو الإمام الجليل أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، خطيب أهل السنة، المولود سنة ٢١٣، والمتوفى سنة ٢٧٦، فقد انتدب لهذه الشكوك والمطاعن التي تثار حول القرآن، فجمعها ثم سدد إليها سهامه وأعمل فيها معاوله، فاقتلعها من جذورها، وكان مجلى ذلك كتابه العظيم «تأويل مشكل القرآن» إلى ما نثره في كتبه الأخرى، مثل «تأويل مختلف الحديث».

ثم ظهرت مسألة «إعجاز القرآن» مبحثاً قائماً بذاته، يقصد إليه قصداً. وكانت تلك المسألة «من أبرز المسائل التي تعاورها العلماء بالبحث أثناء تفسيرهم للقرآن، وردهم على منكري النبوة، وخوضهم في علم الكلام، كعلي بن ربن كاتب المتوكل في كتاب «الدين والدولة»، وكأبي جعفر الطبري في تفسيره «جامع البيان عن وجوه تأويل آي القرآن»، وكأبي الحسن الأشعري في «مقالات الإسلاميين»، وأبي عثمان الجاحظ في كتابه: «الحجة في تثبيت النبوة».

وكان علماء الاعتزال أكثر المثيرين للكلام في إعجاز القرآن، فقد ذهب النظام - من بينهم - إلى أن القرآن نفسه غير معجز، وإنما كان إعجازه بالصرفة، وقال: «إن الله ما أنزل القرآن ليكون حجة على النبوة، بل هو كسائر الكتب المنزلة لبيان الأحكام من الحلول والحرام، والعرب إنما لم يعارضوه، لأن الله تعالى صرفهم عن ذلك، وسلب علومهم به».

وذهب هشام الفوطي، وعباد بن سليمان إلى أن القرآن لم يجعل علماً للنبي، وهو عرض من الأعراض، الأعراض لا يدل شيء منها على الله ولا على نبوة النبي. وكان ذلك وغيره من أقوال أئمتهما منبعاً غزيراً للقول في إعجاز القرآن. وقد انبرى كثير منهم للرد على من أنكر إعجازه جملة، كأبي الحسين الخياط وأبي علي الجبائي، اللذين نقضا على «ابن الراوندي» كتابه: «الدامع» الذي طعن فيه على نظم القرآن وما يحتويه من المعاني، وقال: إن فيه سفهاً وكذباً. وكذلك رد كثير منهم

<<  <  ج: ص:  >  >>