عامل عمر على البصرة كتب إليه: إنه يأتينا من قبل أمير المؤمنين كتب، لا ندري على أيها نعمل، قد قرأنا صكاً منه محله شعبان، فما ندري أي الشعبانين: الماضي أم الآتي؟ فعمم عمر رضي الله عنه على كتب التاريخ - أي كتابته - وأراد أن يجعله أول شهر رمضان، فرأى أن الأشهر الحرم تقع حينئذ في سنتين، فجعله في المحرم، وهو آخر الأشهر الحرم، فصيره أولاً لتجتمع الأشهر الحرم في سنة واحدة. ذكر ذلك أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل ١/ ٢٢٧.
وروى الطبري في تاريخ ٢/ ٣٨٨ - طبعة دار المعارف - أن عمر حين جاءه كتاب أبي موسى الأشعري جمع الناس للمشورة، فقال بعضهم: أراخ لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: أرخ لمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: لا بل نؤرخ لمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مهاجره فرق بين الحق والباطل.
وهكذا كانت بداية حضارتنا وثقافتنا فوق هذه الأرض، على الوجه الذي تبين عنه آثارنا المكتوبة التي لا يدخل عليها الشك من أي باب تدخل منه الشكوك، لا على وجوه الاجتهاد والتخمين والحدس والاستنتاج التي تقوم أحياناً على استنطاق نقوش ورموز على جدران معابد وهياكل، قد تتأثر بعوامل التعرية وتقلبات الحرارة والرطوبة، فتصدق مرة وتكذب أخرى، مع تقدير كل الجهود العظيمة التي قام بها علماء الآثار واللغة في هذا الباب.
وحين أخذ العلماء المسلمون في تدوين العلوم وتسجيل المعارف، كان علم التاريخ من أول ما كتبوا وصنفوا، وكانت الريادة في ذلك لعبيد بن شرية الجعفي، ذلك المعمر الذي أدرك الإسلام فأسلم، وقدم على معاوية وألف له تأليفاً حول أخبار اليمن وأشعارها وأنسابها وقد طبع باسم «كتاب الملوك وأخبار الماضين» بحيدر آباد بالهند سنة ١٣٤٧ هـ، مع كتاب «التيجان في ملوك حمير» لوهب بن منبه المتوفى نحو سنة ١١٤ هـ، ويعد كتابه هذا أيضاً من أوائل ما صنف في علم التاريخ عند المسلمين.
وقد توفي عبيد بن شرية نحو سنة ٦٧ هـ، ويعد أيضاً أول من كتب في الأمثال