والمسلم حين يتلو القرآن ليس لساناً يضطرب في جوبة الحنك فقط، ولكنه لسان يتلو، وقلب يخشع، ونفس تموج، وعزم ينهج، ولعمر بن الخطاب رضي الله عنه كلام نفيس، في أن المسلم مطالب بأن يجمع القرآن ويحفظه ويحيط به ويجعله إمامه في جوارحه كلها، وفي عمله كله، وذلك ما أخرجه ابن جرير الطبري عن الحسن «أن ناساً لقوا عبد الله بن عمرو بمصر، فقالوا: نرى أشياء من كتاب الله، أمر أن يعمل بها، لا يعمل بها، فأردنا أن نلقى أمير المؤمنين في ذلك. فقدم وقدموا معه، فلقيه عمر رضي الله عنه فقال: متى قدمت؟ قال: منذ كذا وكذا، قال: أبإذن قدمت؟ قال: فلا أدري كيف رد عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، إن ناساً لقوني بمصر فقالوا: إنا نرى أشياء من كتاب الله تبارك وتعالى، أمر أن يعمل بها لا يعمل بها؛ فأحبوا أن يلقوك في ذلك. فقال: اجمعهم لي، قال: فجمعتهم له ... فأخذ أدناهم رجلاً، فقال: أنشدك بالله وبحق الإسلام عليك، أقرأت القرآن كله؟ قال: نعم، قال: فهل أحصيته في نفسك؟ قال: اللهم لا، - قال: ولو قال «نعم» لخصمه -، قال: فهل أحصيته في بصرك؟ هل أحصيته في لفظ؟ هل أحصيته في أثرك؟ قال: ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم، فقال: ثكلت عمر أمه! أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله؟ قد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات. قال: وتلا: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلًا كريما (٣١)} [النساء]- هل علم أهل المدينة - أو قال: هل علم أحد - بما قدمتم؟ قالوا: لا، قال: لو علموا لوعظت بكم) تفسير الطبري: ٨/ ٢٥٤، ٢٥٥.
قال شيخنا أبو فهر محمود محمد شاكر:«وقوله: «لوعظت بكم»، أي: لأنزلت بكم من العقوبة ما يكون عظة لغيركم من الناس، وذلك أنهم جاءوا في شكاة عاملهم على مصر، وتشددوا ولم ييسروا، وأرادوا أن يسير في الناس بما لا يطيقون هم في أنفسهم من الإحاطة بكل أعمال الإسلام، وما أمرهم الله به، وذلك من الفتن الكبيرة، ولم يريدوا ظاهر الإسلام وأحكامه، وإنما أرادوا بعض ما أدب الله به خلقه، وعمر أجل من أن يتهاون في أحكام الإسلام. إنما قلت هذا وشرحته مخافة أن يحتج