(١٢٤٠) سنة في مقدمة أدب الكاتب: «ترجمة تروق بلا معنى، واسم يهول بلا جسم، فإذا سمع الغمر - أي الجاهل - والحدث الغر قوله: الكون والفساد وسمع الكيان .. راعه ما سمع، فظن أن تحت هذه الألقاب كل فائدة وكل لطيفة، فإذا طالعها لم يحل منها بطائل»، أو كما قال أبو السعادات ابن الشجري:«تهاويل فارغة من حقيقة» الأمالي ١/ ٥٦، ولا يغرنك أيها القارئ المبتدئ اجتماع الكتاب على هذه الألفاظ، وكثرة استعمالهم لها، فإن الاستعمال ليس بدليل على الحسن، كما يقول ضياء الدين ابن الأثير في المثل السائر ١/ ٢٢١.
إن كثيراً مما يكتب الآن لا صلة له بالعربية إلا صورة الحروف والأبنية من الأسماء والأفعال، أما روح العربية وآمادها الرحبة الواسعة فلا تجدها في أسلوب مما تقرأ، ولا في كلام مما تسمع، إني أحس أحياناً أن هؤلاء الذين يكتبون أدباً عربياً لم يمروا بالقرآن ولا بالبيان النبوي، ولا بكلام العرب، فإن ثروتهم اللفظية محدودة جداً، وتصرفهم في وجوه الكلام قصير الخطو، منقطع النفس، ولذلك تأتي معانيهم هزيلة خفيفة. لأن ضيق الألفاظ يؤدي إلى ضيق المعاني، كما يقول عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز.
ومن الكلام الحكيم للجاحظ في هذه البابة قوله:«والأصل في ذلك أن الزنادقة أصحاب ألفاظ في كتبهم، وأصحاب تهويل، لأنهم حين عدموا المعاني ولم يكن عندهم فيها طائل، مالوا إلى تكلف ما هو أخصر وأيسر وأوجز كثيراً» الحيوان ٣/ ٣٦٥.
وهؤلاء الذين يزعمون أنهم ورثة طه حسين لم يسيروا في طريق بيانه، ولم يحاكوا حلاوة أدائه، وكان له في ذلك مستراد ومذهب، فانتماؤهم لطه حسين إذن انتماء كاذب وولاء منقوص.
وأيضاً هؤلاء الذين يتحدثون عن التنوير ورموز التنوير، لم يمروا بأدب أعلام هذا التنوير، ولم يسلكوا طرائقهم في معرفة العربية ورعاية قوانينها في حسن الأداء وجمال العبارة.