ودعيت منذ خمس سنوات إلى ندوة عن «مستقبل التعليم في مصر» أقامها مشكوراً مأجوراً نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة أسيوط، وقدمت بحثاً عنوانه:«استثمار التراث في تدريس النحو العربي»، قدمت له بمقدمة أدرتها على شيء من البيان فتح الله به علي فتحاً، وقد طرب له كثير من الحاضرين، وكان أكثرهم من الشباب المعيدين والمدرسين المساعدين بكليات الطب والهندسة والعلوم والتجارة، وأخذ هؤلاء الشباب يلاحقونني فيما بين الجلسات، يطلبون المشورة والدلالة على كتب العربية التي يقرأون فيها مثل هذا الكلام الذي جرى على لساني.
أما أساتذة العربية الذين حضروا الندوة - ومنهم كبار في السن والدرجة - فقد سخروا مني سخرية شديدة، أعلنوها ولم يكتموها، وكان بعضهم يناديني هكذا: تعال يابتاع التراث، قول يابتاع التراث، ازيك يابتاع التراث! (لكني أشهد في تلك الأيام أن الأستاذ الدكتور حامد عمار - وكنت قد اختلفت معه في هذه الندوة - قال لي ونحن في القطار من أسيوط إلى القاهرة بالحرف الواحد: يا أستاذ اثبت على ما أنت عليه، فإني سعيد أن أرى إنساناً يتحدث عن لغته وتراثه بهذه الحماسة)، وهذا إنصاف من الرجل، وهو شأن الكبار، أما الصغار فما أجرأهم على لغتهم وعلى تاريخهم، ومهما يكن من أمر فإنه من العار أن يذم الناس مذهبهم، ويهجنوا طريقهم، هل تعرف طبيباً يذم مهنة الطب؟ وهل تجد مهندساً يحتقر حرقة الهندسة؟ قد يشكوان إرهاقاً أو أعباءً، أما أن يكون ذم ومعابة فلا.
وقد انتقلت سخرية الأساتذة إلى تلاميذهم من معلمي العربية في مدارسنا الآن: سأل مدرس اللغة العربية التلاميذ في الثانوية العامة عن مرادف لعبارة «رغد العيش» فأجاب ابني «بلهنية» فضحك المدرس ضحكة عالية وسخر منه قائلًا: «إيه يا خويه؟ » وحمدت الله أن وقف المدرس العابث بالسخرية عند هذا الحد، فإن لهذا التركيب الذي نطق به ذلك المدرس تكملة سوقية يعرفها أهل السخرية، ولعله قالها وكتمها ابني عني!