ومن وصايا الشر أيضاً التي سجلتها الكتب: ما وصَّى به أبو النجم العجلي الراجز الشهير المتوفى (١٣٠ هـ) بناته الثلاث، قال للأولى:
أوصيتُ من برَّة قلباً حِرّا ... بالكلب خيراً والحماة شَرّا
لا تسأمي ضرباً لها وجرّا ... حتى ترى حلو الحياة مرّا
وإن كستك ذهبا ودُرّا ... والحيُُّ عمّيهم بشرِّ طُرّا
وقال للثانية:
سُبِّي الحماة وابهتي عليها ... وإن دنت فازدلفي إليها
وأوجعي بالفهر ركبتيها ... ومرفقيها واضربي جنبيها
يقال: بهته بهتاً: أخذته بغتة، ولعلماء اللغة في قول أبي النجم "ابهتي عليها" كلام كثير انظره في الصَّحاح للجوهري، والتنبيه والإِيضاح عما وقع في الصَّحاح لابن بري، والتكملة والذيل والصلة للصاغاني، وكلها معاجم لغوية.
الفِهْر: بكسر وسكون الهاء: الحجر يملأ الكف.
وقال للثالثة:
أوصيك يا بنتي فإني ذاهبُ ... أوصيك أن تحمدك القرائب
والجار والضيف الكريم الساغب ... لا يرجع المسكين وهو خائب
ولا تني أظفارك السلاهب ... منهن في وجه الحماة كاتب
والزوج إن الزوج بئس الصاحب
والأظافر السلاهب: الطويلة.
وروي أن هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي سمع هذا الشعر من أبي النجم ثم قال له: ما هكذا أوصى يعقوب ولده! قال أبو النجم: ولا أنا كيعقوب، ولا بني كولده! راجع الكامل للمبرد ص ٩٩٨، والأغاني لأبي الفرج ١٠/ ١٥٦.
هكذا وصى دويد بن زيد، وأبو النجم. وسبحان خالق الطباع، ومصرِّف القلوب. وما أصدق كتبنا ومؤرخينا في تسجيل الحياة بخيرها وشرها وحسنها وسيئها!