ابن أخيه - "لقد هجمت بالعقوبة حتى كأنك لم تسمع بالعفو! قال: لأن بني مروان - يعني الأمويين - لم تبل رممهم، وآل أبي طالب - يعني العلويين - لم تغمد سيوفهم، ونحن بين قوم قد رأونا أمس سوقة - أي من عامة الناس - واليوم خلفاء، فليس تتمهد هيبتنا في صدورهم إلا بنسيان العفو، واستعمال العقوبة"، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٦٧، وهو كلام عال نفيس، فاقرأه مرة أخرى.
أما حديث الشعر في الصدق مع النفس فهو كثير جدّاً، ومنه قول حارثة بن بدر الغُدَاني التابعي الجليل المتوفى (٦٤ هـ) وهو ما رواه أبو الفرج الأصبهاني، والشريف المرتضى، قالا:"اجتاز حارثة بن بدر الغداني بمجلس من مجالس قومه من بني تميم، ومعه كعب مولاه، فكلما اجتاز بقوم قاموا إليه وقالوا: مرحباً بسيدنا، فلما ولَّى قال له كعب: ما سمعت كلاماً قط أقرّ لعيني، ولا ألذ بسمعي من هذا الكلام الذي سمعته اليوم، فقال له حارثة: لكني لم أسمع كلاماً قط أكره لنفسي وأبغض إليّ مما سمعته! قال: ولم؟ قال: ويحك يا كعب، إنما سوَّدني قومي حين ذهب خيارهم وأماثلهم، فأحفظ عني هذا البيت:
خلت الديار فسُدت غير مُسَوَّد ... ومن البلاء تفرُّدي بالسؤدد
أرأيت موضوعية وصدقاً ونقداً للذات أبرع من هذا؟ وما أحرى كثيراً من أصحاب المناصب الآن أن يتمثلوا بهذا البيت لو رزقوا الصدق مع أنفسهم.
وانظر الخبر في الأغاني - ملحق الجزء الثامن ص ٢٤٢، من طبعة دار الكتب المصرية، وأمالي الشريف المرتضى ١/ ٣٨٨، ثم انظر شرح الحماسة لأبي علي المرزوقي ص ٨٠٧، ففيه كلام عن التوجيه النحوي للبيت، إن كنت تحب النحو، وأود لك أن تحبه.
وهذا البيت الحكيم الذي أنشده وتمثل به حارثة بن بدر، هو من قطعة أوردها أبو تمام في حماسته، ونسبها لرجل من خثعم، لم يذكر اسمه -راجع الموضع المذكور قريباً من شرح الحماسة للمرزوقي - ونسبه ياقوت الحموي، ضمن ستة أبيات، إلى عمرو بن النعمان البياضي، معجم البلدان ١/ ٧٠٣، في رسم "البقيع"