للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلالة؟ فقالوا: الورثة إذا لم يكن فيهم أب فما علا، ولا ابن فما سفل. فقال: فهي إذن تمييز". قال ابن هشام: "وتوجيه قوله أن يكون الأصل: وإن كان رجل يرثه كلالة، ثم حُذف الفاعل وبُني الفعل للمفعول، فارتفع الضمير واستتر، ثم جيء بكلالة تمييزا"، ثم عقب ابن هشام برأيه في المسألة.

أما المثال الثاني: فهو ما ذكره معربو القرآن الكريم في الفرق بين الرفع والنصب في جواب "ماذا" من قوله تعالى: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين} [النحل: ٢٤]، وقوله تعالى: {وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا} [النحل: ٣٠]، وواضح هنا أن سياق الآيتين واحد، في (قيل) المبني للمجهول، ثم في صورة السؤال (ماذا أنزل ربكم)، ومع ذلك فقد جاء الجواب في الآية الأولى برفع (أساطير)، وفي الثانية بنصب (خيراً).

وتوجيه الرفع في (أساطير) أنه خبر لمبتدأ محذوف، تقديره "هو"، أما توجيه النصب في (خيراً) فهو أنه مفعول به لفعل محذوف، تقديره "أنزل".

قال المعربون: وإنما قُدر في الأول "هو" ولم يُقدر "أنزل"، لأن الآية إخبار عن الكافرين، والكافر جاحدٌ لإِنزال القرآن، وإنما هو عنده كذب وأساطير، كما حكى القرآن عنهم في قوله تعالى: {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلا} [الفرقان: ٥]، وقدَّر في الثاني "أنزل" لائه من جواب المؤمنين بأن القرآن منزل من عند الله.

قال الزمخشري عقب تلاوة الآيتين: "فإن قلت: لِمَ نصب هذا ورفع الأول؟ قلت: فصلاً بين جواب المُقِرّ وجواب الجاحد، يعني أن هؤلاء لما سُئلوا لم يتلعثموا، وأطبقوا الجواب على السؤال بيناً مكشوفاً مفعولاً للإِنزال فقالوا خيراً: أي أنزل خيراً، وأولئك عدلوا بالجواب عن السؤال، فقالوا: هو أساطير الأولين، وليس من الإِنزال في شيء"، (الكشاف ٢/ ٤٠٧).

فهذا أثر العلامة الإِعرابية في تحديد الدلالة والفصل بين المعاني، وسوف تقوم

<<  <  ج: ص:  >  >>