والذي يقال عن غياب بعض المراجع الأندلسية والمغربية المطبوعة في فاس أو تونس، قديماً، يقال أيضاً عن مطبوعات كثيرة في مختلف العلوم والفنون طبعت في مصر في أوائل الطباعة العربية بمطبعة بولاق، أو بالمطابع الأهلية التي انتشرت بالعشرات وبما فوق العشرات، في قلب القاهرة المعزية حول الأزهر والحسين، وكثير من طلبة العلم الآن لا يعلمون شيئاً عن هذه المطبوعات، ولذلك تأتي بعض دراساتهم وأبحاثهم وبها جهات من النقص كثيرة.
ولو أنك جئت الآن إلى معيد بإحدى الكليات الأدبية، وسألته مثلاً عن هذه الكتب الثلاثة: الفتح - أو الفيح - القسي في الفتح القدسي، والفلاكة والمفلوكون، والمكاثرة عند المذاكرة، لمن هي؟ ومتى طبعت وأين؟ لما عرف أن الأول للعماد الأصفهاني، وانه طبع بمطبعة الموسوعات بمصر سنة ١٣٢١ هـ= ١٩٠٣ م، وأن الثاني لشهاب الدين الدلجي، وأنه طبع بمطبعة الشعب بمصر سنة ١٣٢٢ هـ= ١٩٠٤ م، وأن الثالث لجعفر بن محمد الطيالسي، وأنه من مطبوعات معهد الشرقيات بجامعة استانبول سنة ١٩٥٦ م ... وهذا باب واسع جداً.
وإذا تركنا حديث الكتب العربية المطبوعة قديماً وغيابها عن طلبة العلم، وجئنا إلى الكتاب العربي المطبوع حديثاً، فإنا نجد هذه الظاهرة أيضاً: ظاهرة غياب الكتب عن طلبة العلم ودارسيه. لقد تعددت جهات طبع الكتاب العربي الآن، ولم يعد الأمر مقصوراً على الناشرين من التجار وأصحاب المطابع، فقد دخل إلى الميدان كثير من الهيئات والمراكز العلمية التابعة للجامعات العربية أو المستقلة عنها، يمولها نفر من أهل الخير الذين ذكرت بعضاً منهم في صدر حديثي، وكثير من مطبوعات هذه الهيئات والمراكز لا يعرض للبيع، وإنما يقصر على الإِهداء، وهذا الإِهداء دائرته محدودة جداً، وفيه بعض الآفات، وهو أنه يقدم أحياناً لمن لا يعرف قدره، أو لا يدرك وجه النفع منه، وأعرف بعضاً ممن تهدى إليهم الكتب كانوا يتركونها في الفندق استثقالاً لحملها، أو فراراً من مؤونة وزنها في شركات الطيران، وقد كتبت كثيراً في هذا الأمر، فلم يبق إلا الإِيداع في دور الكتب العامة في البلدان