ولا أحسب هذا البلد إلاَّ "القاهرة"، أقول قولي هذا وأنا آمن - إن شاء الله - من سوء الظن بعصبية البلد، فجمهور قراء "العربي" ممن يحسنون الفهم، ولا تسرع إليهم الظنون.
وأعلم أن بعض أهل الخير من أبناء السعودية والخليج يقيمون الآن مساجد فخمة بالقاهرة، ولو كنت من أهل الفتيا لأفتيت بأن إقامة المكتبات الآن أولى من بناء المساجد، مع علمي بالأحاديث التي تحض على بناء المساجد وترغب في إقامتها.
وسوف يكون إنشاء "مكتبة العرب" بالقاهرة مذكراً بتلك القلعة الشامخة "دار الكتب المصرية" التي تتوسط ميدان "باب الخلق" الشهير، والتي كانت ملتقى لرجال الفكر والأدب، يجدون فيها بغيتهم من الكتاب العربي المخطوط والمطبوع، ويذكر أساتذتنا الكبار من أبناء الأمة العربية الذين حصلوا على شهاداتهم العليا من جامعة القاهرة في الأربعينيات والخمسينيات فضل دار الكتب المصرية عليهم، وأثرها في تكوينهم الفكري ... وسقى الله تلك الأيام!
وواضح مما قلته إن الغاية الأولى من إنشاء هذه المكتبة "مكتبة العرب" هي تحقيق فكرة تجميع الكتاب العربي المطبوع، ولكن لن تكون هذه هي الغاية الوحيدة من إنشاء هذه المكتبة، فسوف تكون هناك غايات أخرى عظيمة مما تتيحه المكتبات الحديثة المؤسسة علميّاً، والمستفيدة من مظاهر التقدم التكنولوجي المذهل الذي أتى به العلم الحديث في وسائل الاتصال والتكشيف واستدعاء المعلومات.
ومن هذه الغايات العظيمة أيضاً تجميع صور المخطوطات العربية التي صورت على "الميكروفيلم" مما صوره معهد المخطوطات العربية الذي أنشئ تابعاً لجامعة الدول العربية عام ١٩٤٦ م، وكذلك صور المخطوطات التي صورتها الجامعات العربية والمراكز العلمية التابعة لها، ومراكز العلوم الأخرى غير التابعة للجامعات.
ولن أطيل بذكر هذه المراكز، فهي معروفة مشهورة، بحيث تكون "مكتبة العرب" هذه في آخر الأمر هي المكتبة المركزية للأمة العربية كلها التي جمعت الكتاب العربي: مطبوعاً ومخطوطاً.