الشيخ الجليل "أول سار غرَّه القمر"، ولعل أول من نقب هذا النقب في زماننا هو المستشرق المجري جولدزيهر "١٨٥٠ م - ١٩٢١ م"، فقد ذكره في كتابه "مذاهب التفسير الإِسلامي" الذي ترجمه الأستاذان علي حسن عبد القادر، وعبد الحليم النجار، قال في ص ٨ كلاماً عن اختلاف القراءات القرآنية ختمه بقوله:"وإذاً فاختلاف تحلية هيكل الرسم بالنقط واختلاف الحركات في المحصول الموحد الغالب من الحروف الصامتة كانا هما السبب الأول في نشاة حركة اختلاف القراءات، في نص لم يكن منقوطاً أصلاً، أو لم تتحر الدقة في نقطه أو تحريكه".
وكذلك ردد هذا الرأي المستشرق الأسترالي الأصل آرثر جفري، وذكره في مقدمة تحقيقه لكتاب "المصاحف" لابن أبي داود، قال في ص ٧ من المقدمة:"وكانت هذه المصاحف - يعني المصاحف التي بعثها عثمان إلى الأمصار - كلها خالية من النقط والشكل، فكان على القارئ نفسه أن ينقط ويشكل هذا النص على مقتضى معاني الآيات".
وقد تابع هذين المستشرقين بعض العلماء العرب، من الجامعيين وغيرهم، وأذاعوه في كتبهم، لكن طائفة أخرى من علمائنا ردوا على "جولدزيهر" رأيه وأسقطوه بأدلة قاطعة، من الآثار والتاريخ ونصوص القرآن الكريم نفسه، ومن أبرز هؤلاء: الدكتور عبد الفتاح شلبي، في كتابه "رسم المصحف العثماني وأوهام المستشرقين في قراءات القرآن الكريم"، والشيخ عبد الفتاح القاضي في كتابه "القراءات في نظر المستشرقين والملحدين".
وقد كتبت أنا في هذه القضية غير مرة، لكني أعيد الكلام فيها الآن، للذي ذكرته لك أيها القارئ الكريم من مجيء هذا الوهم على لسان فضيلة الشيخ الشعراوي، وهو رجل مجموع له الناس، ومتبوع مسموع. وأيضاً فإن لمجلة "العربي" عند الناس مكاناً، ولما يكتب فيها ذيعاً وانتشاراً، فلعل عرض هذه القضية على صفحاتها وبيان وجه الصواب فيها، ما يحسم مادة الخلاف، ويقطع أسباب الشبهة إن شاء الله.