مشغول بقضية أمته العربية، وما يراد لها من كيد، في عقيدتها ولغتها وشعرها وتراثها كله. وقد أبان عن هذه القضية بياناً شافياً في كتابيه "أباطيل وأسمار"، و "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا"، ثم نثرها فيما دق وجل من كتاباته، وما برح يعتادها في مجالسه ومحاوراته، يهمس بها حيناً، ويصرخ بها أحياناً، لا تفرحه موافقة الموافق، ولا تحزنه مخالفة المخالف، ولقد قام أمره كله على المكاشفة والمصارحة، فيما بينه وبين نفسه، وفيما بينه وبين الناس، ومنذ أن ظهرت أمامه غواشي الفتن التي أحدقت بأمته العربية، فتح عينيه وأرهف سمعه، ثم شد مئزره وأيقظ حواسه كلها، وشحذ قلمه، يرصد ويحلل ويستنتج، ثم قال في كتابه الماتع أباطيل وأسمار:"فصار حقّا عليَّ واجباً ألاَّ أتلجلج أو أحجم أو أجمجم أو أداري".
ومن أبرز النصوص التراثية العالية التي نشرها أبو فهر: طبقات فحول الشعراء لابن سلام، وتفسير أبي جعفر الطبري (١٦) جزءاً، إلى أثناء تفسير سورة إبراهيم عليه السلام، وتهذيب الآثار لأبي جعفر الطبري (٦) أجزاء، ودلائل الإِعجاز، وأسرار البلاغة، كلاهما للشيخ عبد القاهر الجرجاني.
ومما يُستطرف ذكره هنا أن أول كتاب تراثي وضع فيه أبو فهر يده بالتصحيح هو كتاب:"أدب الكاتب" لابن قتيبة، الذي أخرجه الشيخ محب الدِّين الخطيب عام ١٣٤٦ هـ = ١٩٢٧ م، أي منذ (٧٠) عاماً، وكان عمره إذ ذاك (١٨) عاماً، وقد شاركه تصحيح صفحات من الكتاب ابن خاله الأستاذ عبد السلام هارون رحمه الله.
وفي كل تلك الأصول التراثية التي أخرجها أبو فهر يظهر علمه الغزير الواسع الذي لا يدانيه فيه احد من أهل زماننا؟ لأنه علم موصول بعلم الأوائل، منتزع منه ودال عليه ومكمل له. وكان عمله في نشر هذه النصوص التراثية جزءاً من جهاده في حراسة العربية والذود عنها، سواء فيما نشره هو، أم فيما حث الناس على نشره وأعانهم عليه.
وللأستاذ محمود محمد شاكر من الذرية اثنان: فهر المولود سنة ١٩٦٥ م. وهو الآن دكتور مدرس بقسم اللغة العربية بكلية الآداب - جامعة القاهرة، وزُلْفى