منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير"، أخرجه البخاري في أوائل كتاب الأيمان والنذور ٨/ ١٥٩، وانظر: أسباب النزول ص ٧٢، وتفسير الطبري ٤/ ٤٢٢.
فالآية لا تنهى عن الحلف والأيمان، كيف والأيمان تطلب، وتدور عليها وبها أحكام كثيرة في الشرع؟ ومع هذا البيان والتوضيح والتصحيح لموضع الاستشهاد من الآية الكريمة، ينبغي أن يكون معلوماً أن الإفراط في الحلف مكروه ومذموم، لأنه يؤدي إلى الكذب، وقد قيل في تفسير قوله تعالى:{وأحفظوا أيمانكم}[المائدة: ٨٩]، إن المعنى: بترك الحلف، فإنكم إذا لم تحلفوا لم تتوجه عليكم هذه التكليفات. راجع تفسير القرطبي ٦/ ٢٨٥.
يقول الله تعالى:{واتقوا الله ويعلمكم الله}[البقرة: ٢٨٢]، يستشهد كثير من الناس بهذه الآية على أن التقوى طريق وسبب لتعليم الله وتوفيقه لعباده، ويسوون بينها وبين قوله تعالى:{إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً}[الأنفال: ٢٦]، وقوله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً (٢) ويرزقه من حيث لا يحتسب} [الطلاق: ٢، ٣]، وهذا التفسير غير صحيح، وبدءة ذي بدء، فإن آيتي الأنفال والطلاق مبنيتان على أسلوب الشرط والجزاء، وليس كذلك آية البقرة، فانتفت التسوية، هذا أولاُ.
وثانياً: فإن هذا الجزء المتلوّ من الآية إنما هو ختام لآية المداينة: {يا أيها الذين أمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ... } الآية، وهي أطول آية في الكتاب العزيز، وقد اشتملت على أحكام في كتابة الدين والإشهاد عليه، والرهن، وقد ختمت الآية بقوله تعالى:{واتقوا الله ويعلمكم الله}، أي: واتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، ويعلمكم الله أحكامه المتضمنة لمصالحكم. وقال الطبري: "يعني بقوله جل ثناؤه (واتقوا الله): وخافوا الله أيها المتداينون في الكتاب والشهود، أن تضاروهم ... ويعني بقوله:(ويعلمكم الله): ويبين لكم الواجب لكم وعليكم"، تفسير الطبري ٦/ ٩٣.
وهذا هو التوجيه الصحيح للآية الكريمة، لكن بعضاً من قدامى المفسرين وجهوا الآية على المعنى الذي يشيع عند العوام، ومن هؤلاء القدامى: ابن عطية في