يشتغلون بنشر النصوص لا يؤمنون بذلك التراث، بل يسخرون منه ويستهزئون به إذا خلوا إلى شياطينهم، ولكنها الضرورة الملجئة، وسبحان ربك رب العزة الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
ولقد عادت بنت الشاطئ مرة أخرى إلى صاحبها أبي العلاءـ، فنشرت له أثراً غالياً من تراثه، وهو كتاب " الصًاهل والشاحج"، ويتكلم فيه أبو العلاء، على لسان فرس وبغل، وقد نشرته عن نسختين أصليتين موثقتين، احتفظت بهما الخوانة الملكية بالرباط، وللمغاربة فضل عظيم في الحفاظ على مخطوطات نفسية ذوات عدد، من تراثنا الموزع في مكتبات العالم، وقد قدمت بنت الشاطئ لتحقيق هذا النص بدراسة ماتعة، شملت مدخلاً تاريخياً، وآخر موضوعياً، ثم قارنت بين كليلة ودمنة والصاهل والشاجح.
ومن القضايا التي شغلت بنت الشاطئ زمناً طويلا، وما زالت تعتادها وتكرر القول فيها، وتستأنف حولها كلاماً لأدني ملابسة: قضية توثيق المرويات النقلية التي وصلت إلينا في الأمر شفاهاً إلى عصر التدوين، وهذه المرويات قد تعرضت لهزات عنيفة، وبخاصة ما يتصل بقضية الشاعر الجاهلي، والقول بانتحاله ووضعه بعد ظهور الإسلام، وهي القضية التي أزعجت الجلة من شيوخنا، وعلى رأسهم شيخنا محمود محمد شاكر، وقد رأي هؤلاء الشيوخ التسليم بالشك في الشعر الجاهلي يقضي- لا محالة- إلى الشك في مرويات أخرى جاءتنا مشافهة، كنصوص السنة النبوية والسيرة الشريفة والنبوية، وكتب تاريخ الصحابة، وعلوم الإسلام كلها.
وقد وجدت بنت الشاطئ ضالتها ومفزعها عند علماء الحديث، فيما أصلوه من قواعد منهج توثيق المرويات، وفحص الأسانيد، ونقد المصادر، فيما عرف بعلم الجرح والتعديل، ثم وقفت عند كتاب واحد من كتب علوم الحديث، ورأت أنه جدير بالنظر والخدمة والتحقيق، وذلك هو "مقدمة ابن الصلاح" وهو تقي الدين عثمان بن عبد الرحمن المتوفى سنة (٦٤٣ هـ)، وقد رأت في هذا الكتاب مجلي ذلك العلم، فنهدت لنشرة نشرة علمية، فجمعت منه أصولاً خطية موثقة جيدة، ثم صدرته