الملحن العظيم رياض السنباطي أن خلت له الساحة في هذه الخمسينات، فمحمد القصبجي وقف عند "رق الحبيب"، وقنع بأن يدندن خلف أم كلثوم على عوده، والشيخ زكريا احمد اكتفى بأهل الهوى والأمل وأنا في انتظارك وهجر صوت أم كلثوم هجرًا غير جميل في قطيعة استمرت من سنة ١٩٤٧ إلى ١٩٥٩ (راجع مقالة أستاذنا كمال النجمي في هلال فبراير) فخلا وجه أم كلثوم للسنباطي من أواخر الأربعينات إلى الخمسينات وما بعدها، فأبدع معها وبها، وكانت هذه الروائع: سلوا كؤوس الطلا، وسلوا قلبي، والنيل، ونهج البردة، وولد الهدى، وإلى عرفات الله، ورباعيات الخيام، وأغار من نسمة الجنوب، ومصر تتحدث عن نفسها، وقصة الأمس، وقصة حبي، وثورة الشك، وأراك عصي الدمع.
ثم هلت ليالي القمر، ويا اللي كان يشجيك أنيني، وغلبت أصاح في روحي، وجددت حبك ليه، وسهران لوحدي، ويا ظالمني، وشمس الأصيل، وعودت عيني، وهجرتك، وأرْوح لمين، والحب كده.
وفي هذه الأغنية الأخيرة ملامح كثيرة من روح زكريا أحمد وبخاصة مطلعها، والذي لا يعرف أنها من تلحين السنباطي يظنها للشيخ زكريا.
وقد كان جلال معوض موفقًا في اختيار هدأة الليل موعدًا لبرنامجه الجميل هذا، فالليل أبعث للشجن وأدعى للذكريات والبكاء معها وعليها. ألم يفل مجنون بني عامر:
نهاري نهار الناس حتى إذا بدا ... لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهم بالليل جامع
وأيضًا فإن جلال معوض قد أمتعنا بصوته الحلو الذي يجمع بين العذوبة والفحولة، وهذا شان أبناء جيله: حسني الحديدي وصلاح زكي، ثم المفكر النابه أحمد فراج.