والغرض أنَّه -رضي الله عنه- أقام بالمدينة واليًا عليها مدًّة، ثم بعد ذلك صارت إليه الخلافة من ابن عمِّه وصِهره سليمان بن عبد الملك بن مروان -رحمه الله-، أدخله بينه وبين أخويه يزيد وهشام، وذلك أنَّ عبد الملك كان قد عهد بالأمر إلى بنيه الأربعة: الوليد، ثم سليمان، ثم يزيد، ثم هشام، فولي الوليد بعده عشر سنين، بنى فيها مسجد دمشق، وزَخرَفَه، وتأنَّق فيه، ثم مات في سنة ستٍّ وتسعين، فقام بعده أخوه سليمان، وجعل ابنَ عمِّه وزوجَ أخته فاطمة عمرَ بن عبد العزيز مشيرًا ووزيرًا، فلا يقطع شيئًا إلا برأيه، وعهد بالأمر إليه من بعده، وتوفي سليمان يوم الجمعة لعشر خلون -وقيل: بقين- من صفر سنة تسع وتسعين، واستُخلف عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- في ذلك اليوم، وبايعه الناس، وقام في الخلافة أتمَّ قيام، وردَّ المظالِمَ والحقوقَ إلى أهلها، وجعل اللهُ له لسانَ صدقٍ في الآخرين مع قصر ولايته رحمه الله.
قال ابن عَون: لمَّا ولِيَ عمرُ بن عبد العزيز الخلافة، قام على المنبر، فقال: أيُّها الناس، إن كرهتموني لم أقم عليكم. فقالوا: رضينا، رضينا. قال ابن عَون: الآن حين طاب الأمر.
(١٠١٢) وقال الزُّبير بن بكَّار: حدَّثني محمد بن سلاَّم، عن سلاَّم بن سُليم قال: لمَّا ولِيَ عمرُ بن عبد العزيز / (ق ٤٢٨) صَعِدَ المنبرَ، فكان أوَّل خطبة خطبها حَمِدَ الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس، مَن صحبنا فليصحبنا بخمس، وإلاَّ فلا يقربنا: يرفع إلينا حاجةَ من لا يستطيعُ رفعَها، ويعينُنا على الخير بجهده، ويدلُّنا من الخير على مالا نهتدي إليه، ولا يغتابنَّ عندنا الرَّعيةَ، ولا يعترضُ فيما لا يعنيه. قال: فانقشع عنه الشُّعراء والخطباء، وثَبَت الفقهاء والزُّهاد، وقالوا: ما يسعنا أن نفارق