للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختار هذا الحديثَ من هذا الوجه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبدالواحد المقدسي في كتابه المستخرَج على الصِّحاح (١).

طريق أخرى

(٤٥) قال أبو القاسم الطبراني في «معجمه الكبير» (٢): ثنا إبراهيم بن عمر (٣) بن عِرق الحمصي، ثنا محمد بن مصفَّى، ثنا سُوَيد بن عبد العزيز، ثنا ثابت بن عَجْلان، عن مجاهد، عن ابن عمرَ: أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان لا يُغيِّر شيبَه، فقيل: يا أميرَ المؤمنين، ألا تُغيِّر؟ فقد كان / (ق ٢٠) أبو بكرٍ يُغيِّر. فقال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن شَابَ شَيبةً في الإسلامِ، كانت له نورًا يومَ القيامةِ». وما أنا بمُغيِّرٍ شَيبي (٤).

إسناده فيه ضعف (٥)، وهو شاهد للذي قبله.

لكن قد يقال: قد اختُلف فيه على ثابت بن عَجْلان، وقد قال فيه أبو أحمد ابن عدي (٦): له ثلاثة أحاديث غرائب.

والجواب: أنَّه قد روى له البخاري.

وإن صحَّ هذا السند الثاني إليه؛ فلعلَّه عنده من وجهين عن عمرَ رضي الله عنه (٧).


(١) تقدم تخريجه في الصفحة السابقة، تعليق رقم ٢.
(٢) (١/ ٦٧ رقم ٥٨).
(٣) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «محمد».
(٤) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «شيبتي».
(٥) فيه سُوَيد بن عبد العزيز، قال عنه البخاري: في حديثه نظر لا يُحتَمَل. انظر: «الضعفاء الصغير» (ص ٥٧ رقم ١٥١).
(٦) في «الكامل» (٢/ ٩٧).
(٧) هذا الخبر يَرويه ثابت بن عَجْلان، وقد اضطرب فيه:
فمرَّة قال: عن سُليم بن عامر، عن أبي بكر وعمر!
ومرَّة قال: عن مجاهد، عن ابن عمرَ، عن عمرَ!
ومرَّة قال: عن مجاهد، عن عمرَ. ليس فيه: ابن عمر!
أما الوجه الأول والثاني: فقد ذكرهما المؤلِّف.
وأما الوجه الثالث: فأخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (٣/ ٢٤ رقم ٢٢٨٣) وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (١/ ٤٧ رقم ١٨٠،١٧٦).
وقد تكلَّم الأئمة في ثابت بن عَجْلان، فوثَّقه ابن معين، وقال أبو حاتم: صالح. وقال أحمد: أنا متوقِّف فيه. وقال العقيلي: لا يُتابَع في حديثه. وقال عبدالحق الإشبيلي: لا يحتج به.

فناقَشَه أبو الحسن ابن القطَّان، وقال: قول العقيلي -أيضًا- فيه تحامُلٌ عليه، وقال: إنما يُمَسُّ بهذا مَن لا يُعرَف بالثقة مطلقًا، أما مَن عُرِفَ بها، فانفراده لا يضرُّه، إلا أن يكثُر منه.
وردَّ الذهبي مقولة ابن القطان هذه، فقال: أما مَن عُرف بالثقة فنعم، وأما مَن وُثِّق، ومثلُ أحمدَ الإمامِ يتوقَّف فيه، ومثل ابن أبي حاتم يقول: صالح الحديث؛ فلا نُرقِّيه إلى رتبة الثقة، فتفرُّد هذا يُعدُّ مُنكرًا، فرَجَح قول العقيلي، وعبد الحق. انظر: «الميزان» (١/ ٣٦٤ رقم ١٣٦٧) و «بيان الوهم والإيهام (٥/ ٣٦٣).
قلت: ومما يؤيِّد نكارة هذا الخبر: ما ثبت عن عمرَ -رضي الله عنه- أنه كان يَخضب، وذلك فيما أخرجه مسلم في «صحيحه» (٤/ ١٨٢١ رقم ٢٣٤١) (١٠٣) من طريق حماد بن سَلَمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه سُئل عن خضاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: لو شئتُ أن أعُدَّ شمطاتٍ كنَّ في رأسه فعلتُ، وقال: لم يختضب، وقد اختضب أبو بكر بالحنَّاء والكَتَم، واختضب عمر بالحنَّاء بحتًا. ...
وللمرفوع شاهد من حديث عمرو بن عَبَسة رضي الله عنه: أخرجه الطيالسي (٢/ ٤٧٠ رقم ١٢٥٠) وأحمد (٤/ ١١٣) وابن حبان (٧/ ٢٥٢ رقم ٢٩٨٤ - الإحسان) والحاكم (٣/ ٤٩ - ٥٠) والبيهقي (٩/ ١٦١) و (١٠/ ٢٧٢) من طريق هشام الدَّستوائي، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن مَعْدان بن أبي طلحة، عن عمرو بن عَبَسة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «مَن شاب شيبةً في الإسلامِ، كانت له نورًا يومَ القيامةِ».
قال الحاكم: صحيح عال. ووافقه الذهبي.
وصحَّح إسناده الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (٤/ ٣٥٠ رقم ١٧٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>