وله طرق أخرى موصولة: منها: ما أخرجه عبد الرزاق (٣/ ١٣٦ رقم ٥٠٦٢) عن ابن جريج. والبيهقي (٢/ ٢٢٦) من طريق الوليد بن كثير. كلاهما (ابن جريج، والوليد بن كثير) عن نافع، عن صفية بنت أبي عُبيد، عن عمرَ ... ، فذكره، بنحوه. وهذا إسناد صحيح، كما قال الحافظ في «الدراية» (١/ ١٢٤) ومنها: ما أخرجه عبد الرزاق (٥٠٦٤) عن معمر. وابن أبي شيبة (٢/ ٤١ رقم ٦٢٣٥) في الصلاة، باب في الأمة تصلي بغير خمار، عن وكيع، عن شعبة. كلاهما (معمر، وشعبة) عن قتادة، عن أنس -رضي الله عنه- قال: رأى عمرُ أَمَةً لنا متقنِّعة فضربها، وقال: لا تشبَّهي بالحرائر. وهذا صحيح -أيضًا-، كما قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (٦/ ٢٠٣). ومنها: ما أخرجه ابن أبي شيبة (٦٢٣٩) عن علي بن مُسْهِر، عن المختار بن فُلفُل، عن أنس بن مالك قال: دَخَلَت على عمرَ بن الخطاب أَمَةٌ قد كان يعرفها لبعض المهاجرين أو الأنصار، وعليها جلبابٌ مُتقنِّعةٌ به، فسألها: عَتَقتِ؟ قالت: لا. قال: فما بال الجلباب! ضَعيه عن رأسِكِ، إنما الجلبابُ على الحرائرِ من نساءِ المؤمنين. فتَلكَّأَت، فقام إليها بالدِّرة فضَرَبَ بها رأسَها، حتى ألقته عن رأسِها. وهذا صحيح -أيضًا-، كما قال الشيخ الألباني في الموضع السابق.
ومنها: ما أخرجه البيهقي (٢/ ٢٢٦) عن أبي القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي ببغداد، أنبأ علي بن محمد بن الزبير الكوفي، ثنا الحسن بن علي بن عفان، ثنا زيد بن الحُبَاب، عن حماد بن سَلَمة قال: حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن جدِّه أنس بن مالك قال: كُنّ إماءُ عمرَ -رضي الله عنه- يَخدُمننا كاشفاتٌ عن شعورِهِن، تَضطربُ ثُدُيُّهُنَّ. قال الشيخ الألباني في الموضع السابق: إسناده جيد، رجاله كلهم ثقات، غير شيخ البيهقي أبي القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحربي، وهو صدوق، كما قال الخطيب (١٠/ ٣٠٣). قلت: وقد قال ابن المنذر في «الأوسط» (٥/ ٧٦): ثبت أنَّ عمرَ بن الخطاب ضَرَبَ أَمَةً لآل أنس رآها مُتقنِّعة، وقال: اكشفي عن رأسِكِ، لا تشبَّهين بالحرائر. وقال البيهقي: والآثار عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- في ذلك صحيحةٌ، وأنها تدل على أن رأسَها ورقبتَها وما يظهر منها في حال [المهنة] ليس بعورة. تنبيه: قال ابن القيم في «إعلام الموقعين» (٣/ ٢٨٤ - ٢٨٥): وأما تحريم النظر إلى العجوز الحُرَّة الشوهاء القبيحة وإباحته إلى الأَمَة البارعة الجمال فكَذِبٌ على الشارع، فأين حرَّم الله هذا وأباح هذا؟! والله سبحانه إنما قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} ولم يُطلق الله ورسوله للأعين النظر إلى الإماء البارعات الجمال، وإذا خَشِيَ الفتنة بالنظر إلى الأَمَة حَرُم عليه بلا ريب، وإنما نشأت الشبهة أن الشارع شرع للحرائر أن يسترن وجوههن عن الأجانب، وأما الإماء فلم يوجب عليهن ذلك، لكن هذا في إماء الاستخدام والابتذال، وأما إماء التسري اللاتي جرت العادة بصونهن وحجبهن فأين أباح الله ورسوله لهن أن يكشفن وجوههن في الأسواق والطرقات ومجامع الناس وأذن للرجال في التمتع بالنظر إليهن؟! فهذا غلط محض على الشريعة، وأكَّد هذا الغلط أن بعض الفقهاء سَمِعَ قولَهم: إن الحُرَّة كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وعورة الأَمَة ما لا يظهر غالبًا، كالبطن والظهر والساق، فظن أن ما يظهر غالبًا حكمه حكم وجه الرجل، وهذا إنما هو في الصلاة لا في النظر، فإن العورة عورتان، عورة في النظر، وعورة في الصلاة، فالحُرَّة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع الناس كذلك، والله أعلم.