للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقيت إلا زيدا، كما أنك إذا قلت: مررت برجل زيد. فكأنك قلت: مررت بزيد.

فهذا وجه الكلام. أن تجعل المستثنى بدلا من الذي قبله؛ لأنك تدخله فيما أخرجت منه الأول، ومن ذلك قولك: " ما أتاني القوم إلا عمرو " وما فيها القوم إلا زيد. وليس فيها القوم إلا أخوك. وما مررت بالقوم إلا أخيك، فالقوم هاهنا بمنزلة أحد.

ومن قال: ما أتاني القوم إلا أباك. لأنه بمنزلة قوله أتاني القوم إلا أباك. فإنه ينبغي له أن يقول: " ما فعلوه إلا قليلا منهم " وحدثني يونس: أن أبا عمرو كان يقول:

الوجه: ما أتاني القوم إلا عبد الله. ولو كان هذا بمنزلة " أتاني القوم " لما جاز أن تقول ما أتاني أحد، كما أنه لا يجوز أن تقول أتاني أحد، ولكن المستثنى في ذا الموضع مبدل من الاسم الأول، ولو كان من قبل الجماعة لما قلت: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ (١) ولكان ينبغي له أن يقول: ما أتاني أحد إلا قد قال ذاك إلا زيد؛ لأنه ذكر واحدا.

ومن ذلك أيضا: " ما منهم أحد اتخذت عنده يدا إلا زيد " وما منهم خير إلا زيد، إذا كان زيد هو الخبر.

وتقول: ما مررت بأحد يقول ذاك إلا عبد الله، وما رأيت أحدا يقول ذاك إلا زيدا.

هذا هو وجه الكلام. وإن حملته على الإضمار الذي في الفعل فقلت: " ما رأيت أحدا يقول ذلك إلا زيد " فعربي. قال عدي بن زيد:

في ليلة لا نرى بها أحدا ... يحكي علينا إلا كواكبها (٢)

وكذلك: " ما أظن أحدا يقول ذلك إلا زيدا. وإن رفعت فجائز حسن. وكذا: ما علمت أحدا يقول ذاك إلا زيدا، وإن شئت رفعت.

وإنما اختير النصب هاهنا لأنهم أرادوا أن يجعلوا المستثنى بمنزلة المبدل منه، وأن لا يكون بدلا إلا من منفي، والمبدل منه منصوب منفي ومضمره مرفوع. فأرادوا أن يجعلوا المستثنى بدلا منه؛ لأنه هو المنفي وهذا وصف أو خبر.


(١) سورة النور، من الآية ٦.
(٢) البيت في ديوانه ١٩٤، والخزانة ٢/ ١٢، وفيه نسب إلى أحيحة بن الجلاح الأنصاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>