للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا كعب صبرا على ما كان من حدث ... يا كعب لم يبق منا غير أجلاد

إلا بقيات أنفاس تحشرجها ... كراحل رائح أو باكر غادي (١)

فإن (غيرا) هاهنا بمنزلة (مثل) كأنك قلت: لم يبق منا مثل أجساد إلا بقيات أنفاس.

وعلى هذا أنشد بعض الناس هذا البيت رفعا للفرزدق:

ما بالمدينة دار غير واحدة ... دار الخليفة إلا دار مروانا (٢)

جعلوا (غير) صفة بمنزلة: (مثل). ومن جعله بمنزلة الاستثناء لم يكن بدّ من أن ينصب أحدهما وهو قول ابن أبي إسحاق.

وأما: إلا زيد فإنه لا يكون بمنزلة (مثل) إلا صفة. ولو قلت: ما أتاني إلا زيد إلا أبو عبد الله كان جيدا. إذا كان عبد الله زيدا ولم يكن غيره؛ لأن هذا يكرر توكيدا كقوله: رأيت زيدا زيدا.

وقد يجوز أن تقول: رأيت غير زيد على الغلط والنسيان كما يجوز أن تقول:

رأيت زيدا عمرا؛ لأنه إنما أراد عمرا فنسي فتدارك.

ومثل: ما أتاني إلا زيد إلا أبو عبد الله. إذا أردت أن تبين وتوضح قوله:

مالك من شيخك إلا عمله ... إلا رسيمه وإلا رمله (٣)

قال أبو سعيد: الاسمان المستثنيان وإن اختلف إعرابهما فهما مشتركان في معنى الاستثناء. وإنما رفع أحدهما ونصب الآخر على ما يوجهه تصحيح اللفظ. فإذا قلت: (ما أتاني إلا زيد إلا عمرا) فلا بد من رفع أحد الاسمين؛ لأن الفعل المنفي لا فاعل له، فلا بد من رفع أحد الاسمين بعد (إلا) فاعلا له. فإذا جعلنا المرفوع (زيدا) وبعده (إلا عمرو) لم يجز رفع (عمرو) لأن المرفوع بعد (إلا) إنما يرفع على أحد وجهين:

إما أن يرفع إذا فرغ له الفعل الذي قبل (إلا) أو يجعل بدلا من المرفوع الذي قبله.

وليس في (عمرو) وجه من وجهي الرفع؛ لأن الفعل قد ارتفع به (زيد) وفرغ له ولا اسم قبله يبدل منه.

ولا يجوز أن يكون بدلا من (زيد) لأن (عمرا) لا يكون بدلا من (زيد) لأنه


(١) الأبيات في الأغاني ٢١/ ٣١.
(٢) لم أعثر عليه في ديوانه، وهو في المقتضب ٤/ ٤٢٥.
(٣) البيت في الأشموني ٢/ ١٥١، والهمع ١/ ٢٢٧، والتصريح ١/ ٣٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>