للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس به ولا ببعضه ولا مشتمل عليه. فوجب النصب على ما يوجهه الاستثناء. وقد ثبت للاسمين الإتيان الذي نفي عن غيرهما. وهما جميعا مستثنيان، ومما يدل على أنهما مستثنيان جميعا: أنك لو أخرت المستثنى منه وقدمتهما نصبتهما كقولك:

ما لي إلا عمرا إلا بشرا أحد.

ومما يدل على ذلك ويكشفه قول الكميت:

وما لي إلا الله غيرك ناصر

فنفى كل ناصر سوى الله- عز وجل- وسوى هذا المخاطب.

وأما بيت الفرزدق ففي إنشاده أربعة أوجه:

أحدها: رفع (غير واحدة) ورفع (دار مروان)

الثاني: رفع (غير) ونصب (دار مروان)

الثالث: نصب (غير) ونصب (دار مروان)

الرابع: نصبهما جميعا.

فإذا رفعا ففي رفعهما وجهان:

أحدهما: أن ترفع (غير واحد) (نعتا لدار) التي قبلها فيكون معناه ما بالمدينة دار جامعة دورا ومقاصير وحجرا كما يكون دار الخلفاء والأمراء ونحوهم. فكأنه قال: ما بالمدينة دار جامعة دورا إلا دار مروان، وتبدل (دار مروان) من (دار) المنفية.

والوجه الثاني: في رفعهما أن يجعل (غير واحدة) استثناء، فكأنه قال: (ما بالمدينة إلا دار واحدة). كأنه لم يعد دور المدينة دورا. استصغارا لها. كما يقال (ما ببغداد إلا رجل واحد) إذا لم يعد رجالهم رجالا، بالإضافة إلى ذلك الرجل لما عنده من الكفاية والغناء الذي ليس عندهم. وتقديره: ما بالمدينة إلا دار واحدة وهي دار الخليفة ثم يبدل (دار مروان) منها لأن (دار مروان) هي دار الخليفة. فيكون بمنزلة قولك: (ما أتاني إلا زيد إلا أبو عبد الله) إذا كان أبو عبد الله هو زيد.

وإذا رفع أحدهما ونصب الآخر فهما مستثنيان بمنزلة قولك: ما أتاني أحد إلا زيد إلا عمرا. وإلا زيدا إلا عمرو. وإذا نصبهما جميعا: فلأنّ الكلام قد تم بقولك ما بالمدينة دار ثم نصبهما جميعا على الاستثناء، كما تقول: ما أتاني

أحد إلا زيدا إلا عمرا.

فيستثنيهما جميعا ولا يبدل.

واعلم أنه إذا أتى استثناءان يمكن أن يكون الثاني منهما مستثنى من الأول، فإن الاختيار أن يكون الثاني محطوطا من الأول كقولك: (لزيد عليّ عشرة دراهم إلا أربعة إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>