للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحروف " عن غسّان أحد من يأخذ عنه اللّغة من العرب أنه أنشد:

إذا ما أتيت بني مالك ... فسلّم على أيّهم أفضل (١)

ومذهب الخليل أن (أيّهم) مرفوع بالابتداء، و (أفضل) خبره، ويجعله استفهاما؛ لأنه يحمله على الحكاية بعد قول مقدّر، كما قال عز وجل: وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ (٢) على معنى: يقولون أخرجوا أنفسكم، ولعل الذي أحوج الخليل إلى تأويل الحكاية أن العرب لمّا تكلّمت: اضرب أيّهم أفضل، وهو شاذّ، والقياس عنده:

اضرب أيّهم أفضل بالنصب، كان حمله على الحكاية أقوى عندّه من حمله على البناء الذي اختاره سيبويه، ويقوى مذهب سيبويه في البناء أن نظيري (أيّهم) من وما، وهما مبنيان، وكان حقّ (أيّهم) أن يكون مبنيّا لوقوعه موقع حرف الاستفهام والجزاء وموقع الذي، وكلّ ذلك مبنيّ، فلمّا دخل (أيّهم) نقص في العائد ضعف فردّ إلى أصله، كما أنّ (ما) في لغة أهل الحجاز إذا تقدّم خبرها، أو دخل الاستثناء بين الاسم والخبر، ردّ إلى ما يوجبه القياس فيه من بطلان عملها.

وأمّا يونس فقوله في تعليق (اضرب) ضعيف، وإنما تعلّق أفعال القلوب عن الاستفهام كقولك: انظر أيّهم في الدار، واعرف أزيد في الدار أم عمرو، وتعليقه: أن يبطل عمله عمّا بعده، ولو كان التعليق الذي ذكره يونس في الآية لكان موافقا لقول الكوفيين في الوجوه الثلاثة التي حكيناها عنهم في الآية، ولم يكن بالمنكر.

ومعنى قول سيبويه: (كما أن ليس لمّا خالفت ولم تصرّف تصرّف الفعل تركت على هذه الحال) يريد أنّ أصل ليس: ليس، مثله في: صيد البعير، ويجوز في صيد التخفيف فيقال: صيد، وألزموا ليس التخفيف، ولم يجئ على الأصل مثل صيد؛ لأنه خالف باب الفعل فلم يستعمل منه الماضي ولا الأمر.

وأمّا احتجاج الخليل بالبيت:

فأبيت لا حرج ولا محروم

فقد ذكرته في غير هذا الموضع وأعيد جملته: قول الخليل على الحكاية، وقول سيبويه: فأبيت لا حرج ولا محروم بالمكان الذي أنا فيه؛ لا حرج: مبتدأ، وخبره:

بالمكان الذي أنا فيه، ولو قال: لا حرج ولا محروم بمكاني لكان أخصر، وإنما أراد البيان،


(١) البيت منسوب لغسان بن وعلة، الخزانة ٦/ ٦١؛ ابن يعيش ٣/ ١٤٧، ٧/ ٨٧.
(٢) سورة الأنعام، من الآية: ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>