والجملة في موضع خبر الاسم المضمر في أبيت، والعائد إلى الاسم الياء بمكاني، أو أنا إذا قدّر بالمكان الذي أنا فيه، وحذف الخبر بعد حسن كقولك: لا حول ولا قوة إلا بالله، والتقدير: لا حول لنا ولا قوة لنا، ونحو ذلك.
وقال الكوفيون عن الفرّاء في البيت شيئا كأنه مأخوذ من قول سيبويه:(مغيّر إلى ما هو دونه في الجودة)، فقال:(لا) بمعنى ليس، ثم خلط الحاكي عنه في تقدير ذلك وأفسد، وذلك أنه أنشد البيت:
فأبيت لا زان ولا محروم
فقال: رفع زانيا ومحروما لمّا بني (لا) على ليس، وأضمر بعدها لزان أنا، والتقدير:
فأبيت لا أنا زان، وهذا تخليط. والذي حكى هذا أبو بكر بن الأنباري في كتابه المسمى بالواضح، والتّخليط فيه أن (لا) إذا عملت عمل ليس لم تعمل إلا في النّكرات، ولا يكون اسمها ولا خبرها إلا نكرتين، لا يجوز: لا زيد قائما، ولا قائم زيدا، وإنما يقال لا رجل في الدار، ولا خير ولا شر بدائم، ولا خير ولا شرّ دائما، وهذا قليل لا يكاد يأتي إلا نادرا، وتقديره فاسد؛ لأنه إذا قال: ليس زان أنا فهما مرفوعان، وفي ليس ضمير الأمر والشأن، ولا يقع ذلك
الضمير في (لا)، وتقديره الآخر: فأبيت لا أنّا زان ولا محروم، خارج عن تأويل ليس؛ لأن أنا مبتدأ وزان خبره.
وأما ما ذكره هارون أنّ ناسا وهم الكوفيون يقرؤونها:(أيّهم) بالنصب فالذي قرأه منهم بالنصب معاذ بن مسلم الهرّاء، هو من رؤسائهم في النحو، وروي أيضا عن هارون القارئ النصب.
وقوله:(ومن قال: امرر على أيّهم أفضل قال: امرر بأيّهم أفضل)، كأنه قد سمع على أيّهم أفضل أكثر من بأيّهم، أو المسموع هو على أيّهم، ويكون بأيّهم قياسا عليه؛ لأنه لا فرق بينهما. وإذا أفردت أيّا في موضع المضاف فمن قول يونس والخليل أنه يرفع كما يرفع المضاف. فمن قولهما: اضرب أيّ أفضل، وكذلك ينبغي أن يكون على مذهبهما؛ لأنه ليس بمبنيّ عندهما، وإنما هو مرفوع بالابتداء على التقدير الذي ذكرناه عنهما، وسيبويه يردّه إلى الأصل فيقول:(اضرب أيّا أفضل)، ومن حجته أنهم لو بنوه في الإفراد لكان حقّه أن لا ينوّن؛ لأنه معرفة بمعنى الذي؛ لأن المعرب الذي يبنى في حال إذا كان مفردا معرفة لم ينوّن كقولك: يا زيد، ومن قبل ومن بعد، وإذا نكّر ينوّن كقولك: يا رجلا صالحا، ومن قبل ومن بعد، ولو كانت العرب بنته في الإفراد لزمتنا متابعتهم، ولا