وتشتمل على معنى كي، فإذا أتت كي مع اللام فالنصب للام، وكي مؤكّدة لها، وإذا انفردت كي فالعمل لها، وإن جاءت أن مظهرة بعد كي فهو جائز عند الكوفيين، وصحيح عندهم أن يقال: جئت لكي أن أكرمك، ولا موضع ل " أن " لأنّها تؤكد اللام كما أكّدتها كي، واحتجّوا بقول الشاعر:
أردت لكي ما أن تطير بقربتي ... فتتركها شنّا ببيداء بلقع (١)
وأجازوا ظهورها بعد حتى كظهورها بعد كي، والنصب عندهم ب (حتى) كالنصب بأن وكي ولا ضمير بعدها.
وقالوا: إن قيل لأسيرنّ حتى أن أصبح بالقادسيّة؛ فهو جائز، والنصب ب (حتّى)، وأن توكيد ل " حتى " كما كانت توكيدا لكي.
وقال أحمد بن يحيى ثعلب قولا خالف فيه أصحابه ولم يوافق البصريين، قال: في جئت لأكرمك، وسرت حتى أصبح بالقادسية، وقصدتك كي أكرمك. إنّ المستقبل منصوب بكي ولام كي وحتّى لقيامهنّ مقام أن.
ومما احتجّ به الكوفيون أنّهم قالوا: لو كانت اللام الداخلة على الفعل هي اللام الخافضة لجاز أن تقول: أمرت بتكرم، على معنى أمرت بأن تكرم؛ فالجواب عن هذا أنّ حروف الجرّ لا تتساوى في ذلك، واللام تدخل على المصادر التي هي أعراض الفاعلين في أفعالهم، وهي شاملة يحسن أن تسأل عن كل فعل، فيقال: لم فعلت؛ لأن لكلّ فاعل غرضا في فعله، وباللام يخبر عنه ويسأل عنه، وحتّى وكي في ذلك المعنى. ألا ترى أنك تقول: مدحت الأمير ليعطيني، وكي يعطيني، وحتى يعطيني، ومعناها كلّها واحد، وقد يخفّف ما يكثر في كلامهم ويحذف منه أكثر الخبر، وممّا يحذف ما لم يكثر، وهم يحتجّون في الحذف والتّخفيف بالكثرة، كحذف لام الأمر وتاء المخاطب في أمر المواجه عندهم نحو: قم واذهب، والأصل لتقم ولتذهب، وأيش عندك، والأصل أي شيء عندك، ولم يكثر غير اللام في ذلك فيخفّف، وعلى أنّ هشام بن معاوية حكى عن الكسائي عن العرب: لا بدّ من يتبعها، بمعنى لا بدّ من أن يتبعها.
وأما ما ذكره الشاعر من ظهور أن بعد كي فضرورة يجوز أن يكون الشاعر ذهب بها مذهب بدل أن من كيما؛ لأنّهما بمعنى واحد، كما يبدل الفعل من الفعل إذا كان في معناه، وعلى أنّ البيت غير معروف ولا معروف قائله.
(١) البيت في الخزانة ١/ ١٦، ٨/ ٤٨١، ٤٨٤؛ ابن يعيش ٧/ ١٩، ٩/ ١٦.