وزعم الكوفيون أنّ (مه) في (كيمه) و (حتّامه) ليست مخفوضة ولكنها منصوبة على مذهب المصدر، كقول القائل: أقوم كي تقوم، سمعه المخاطب ولم يفهم يقوم فقال:
كيمه، يريد كي ماذا، والتقدير: كي يفعل ماذا، فموضع مه نصب على جهة المصدر والتشبيه به، وليس لكي في مه عمل جرّ.
قال أبو سعيد: والصحيح ما قاله سيبويه؛ لأنّ سقوط الألف من ما في الاستفهام إنما يكون إذا كانت ما في موضع خفض واتصل بها الخافض، وإذا كانت ما استفهاما وقعت صدر الكلام ولم تسقط منها الألف كقولك: وما تصنع، ولا يجوز وم تصنع؟ ولو كان على ما قاله الكوفيون لجاز أن تقول أن مه، ولن مه، وإذن مه، إذا لم يفهم المستفهم ما بعد هذه الحروف من الفعل؛ لأنه إنما يسأله عن مصدر، والمصدر في الأفعال بعد أن وإذن ولن، وبعد كي وحتّى واحد، ولام الجحد عند سيبويه بمنزلة لام كي في إضمار أن بعدها، وبينهما فصل في إظهار أن بعدهما، فاستحسن ظهورها بعد لام كي ولم يجز ظهورها بعد لام الجحد؛ وإنما قبح ظهورها بعد لام الحجد لأنها نقيض فعل ليس تقديره تقدير اسم، ولا لفظه لفظ اسم، وهو السين وسوف، فإذا قلنا: ما كان زيد ليخرج فهو قبل الحجد: كان زيد سوف يخرج، أو سيخرج، فإذا قلنا ما كان زيد لأن يخرج بإظهار أن فكأنّا جعلنا مقابل سوف يخرج وسيخرج اسما، فكرهوا إظهار أن لذلك.
ووجه آخر: وهو أنّ تقديره عندهم: ما كان زيد مقدّرا الآن يخرج، أو مستعدّا، أو هامّا، أو عازما، أو نحو ذلك من التقديرات التي توجب المستقبل من الفعل، وأن توجب الاستقبال، فاستغني بما تضمّن الكلام من تقدير الاستقبال من ذكر أن، وأمثّل هذا بما يكشفه؛ يقول القائل: عبد الله عمّي، فيقال له: ما كان عبد الله عمّك، ويقول القائل:
عبد الله يصوم ويصلّي، فيقال: ما كان عبد الله يصوم ويصلّي، بغير لام، ويقول القائل:
عبد الله يهمّ أن يقوم، ويريد أن يقوم، فيقال له: ما كان عبد الله ليقوم، ومنه قوله عز وجل: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال: ٣٣]. وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ [التوبة: ١١٥]. كأنّ قائلا قال: هل الله يريد أن يعذّبهم؟ وهل الله يريد أن يضلّ قوما بعد إذ هداهم؟ فجعلت اللام علما لهذا المعنى.
وقد فرّع أصحابنا على هذا مسائل؛ يقال: لم تركت زيدا وكان سيعطيك، ولو لم تلزمه كان أن يسعفك، ونحوه: كان عبد الله على أن يأتيك، وكان يقدّر أن يكرمك مكان لن يكرمك، كلّ هذا جيد بالغ مقيس، وبنيت هذه المسائل على تقدير ما كان