للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولهم: " ذهب فلان بين بين ". والمعنى: بين هذا وبين هذا، فلما اسقطت الواو بنيا. قال الشاعر:

... ... وبعض الناس يذهب بين بينا (١)

ومن ذلك: " لقيتك صباح مساء " و " يوم يوم " على هذا المعنى الذي ذكرناه من تضمن الواو، فكأنك قلت: " صباحا ومساء " أو " يوما ويوما " ولست تقصد صباحا واحدا ولا يوما واحدا.

ويجوز أن تقول: " أتيتك صباح مساء " فتضيف الصباح إلى المساء وتجعل " صباح " منسوبا. وإنما جاز إضافته

إلى " مساء " من قبل أنك أردت إتيانه في صباح مقترن بمساء، فلما اصطحبا في الإتيان، جاز إضافة أحدهما إلى الآخر، كما يضاف الشيء إلى ما يصحبه.

فإذا أدخلت عليهما شيئا من حروف الجر لم يكن إلا مضافا مخفوضا، تقول:

" أتيتك في كل صباح مساء "؛ لأنهم إذا أدخلوا عليه شيئا من حروف الجر خرج عن باب الظروف وصار اسما وتمكن أكثر من تمكنه الأول، فلم يقدر فيه الواو.

فإن قال قائل: فهلا أعربتم " خمسة عشر " ونحوها، وكل اسمين جعلا اسما واحدا إذا أدخلتم شيئا من حروف الجر عليه؟

فالجواب في ذلك أن " خمسة عشر " نحوها على كل حال لا يخلو من تقدير الواو فيه، فلم يجز غير البناء، و " صباح مساء " قد كان مرة يجوز بناؤه قبل دخول الجار على تقدير الواو، وإضافته على ما بينا، فإذا دخل الجار وصار اسما، وخرج عن حد الظرف، وتمكن لم يكن فيه إلا الإضافة التي توجب الإعراب له، إذ كانت الإضافة جائزة قبل دخول الجار.

ومن ذلك قولهم: " لقيته كفة كفة " وفيها معنى الواو، وأصله كفة وكفة. وإنما المعنى: كفة مني وكفة منك، وإن شئت: كفة على كفة، أو: كفة عن كفة. وذلك أن المتلاقيين إذا تلاقيا، فقد كف كل واحد منهما صاحبه عن مجاوزته إلى غيره في دفعه التقائهما، فكفة وكفة: مصدران وضعا موضع الحال، كأنك قلت: لقيته متكافّين، مثل


(١) البيت لعبيد الأبرص في ديوانه ١٣٦، ومعاني القرآن ١/ ١٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>