للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَقْرَبُ (١).

وقوله عز وجل: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (٢)، وقوله عز وجل:

فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (٣).

وقوله عز وجل: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٤).

فإن قال قائل: كيف يقع هذا الإبهام الذي ذكرته من الله عز وجل على خلقه إذ كان إنما قصد بمخاطبتهم البيان والإفهام للإقامة الحجة عليهم بما أنزل ولم يجعل في ذلك لبسا؟

قيل له: أنما خوطبوا على قدر ما يجري في كلامهم من إفهام بعضهم بعضا. لعلها أبهمت عليهم في الإخبار لعجزهم عن بلوغ حقائق الأشياء وأنهم يصلون منها إلى مقاربة وقد يبهم المتكلم لقلة الفائدة في التفصيل وإن كان عالما بصاحب الفعل قال لبيد:

تمنّى ابنتاي أن يعيش أبوهما ... وهل أنا إلّا من ربيعة أو مضر (٥)

وقد علم لبيد أنه من مضر وليس من ربيعة.

وإنما أراد: من أحد القبيلتين، وسبيلي أن أفنى كما فنوا. وليس فيما قصد من تعزية ابنتيه وتسليتهما بالتأسي بمن فنى من هذين القبيلين فائدة في تعيين نسبه.

بل لو زاد في الإبهام كان أبلغ فيما يريده لأنه إذا كثر من يتأسى به كان أبلغ في التعزية.

فلو قال: وهل ألا من العرب؟ أو: هل أنا إلا من الناس؟ كان أبلغ في التعزية وقد تدخل " أو " للتبعيض والتفصيل وهو أن تذكر عن جماعة قولين مختلفين على أن بعضهم قال أحد القولين وبعضا قال القول الآخر.

كقولك: " اجتمع القوم فقالوا: حاربوا أو صالحوا ". بمعنى: قال بعضهم: حاربوا وقال بعضهم: صالحوا.


(١) سورة النحل، الآية: ٧٧.
(٢) سورة الصافات، الآية: ١٤٧.
(٣) سورة البقرة، الآية: ٧٤.
(٤) سورة النجم، الآية: ٩.
(٥) انظر ديوانه: ١، الخزانة: ٤/ ٤٢٤، شرح شذور الذهب: ١٣٨، العقد الفريد: ٣/ ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>