للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال عز وجل: وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا (١) وقد أحاط العلم أنه ليس في الفرق فرقة بين اليهودية والنصرانية، وأنما الإخبار عن جملة اليهود والنصارى أنهم قالوا، ثم فصل ما قاله كل فريق منهم.

وقد احتج بعض أصحاب مالك في تخيير الإمام في عقوبة قطاع الطريق الساعين في الأرض فسادا بقوله عز وجل: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ (٢).

وكان ينكر مخرج الآية على وجه التخيير لذكره " أو " فذكرت ما كان عندي وهو:

أن " أو " في هذه الآية على التبعيض وترتيب أصناف هذه العقوبات على أصناف جنايات المحاربين.

واحتججت بقوله تعالى: وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى على أن بعضا وهم اليهود قالوا: كُونُوا هُوداً وبعضا وهم النصارى قالوا: (كونوا نصارى).

وكذلك نحمل آية المحاربين على أن بعضا وهم الذين قتلوا يقتلون، وبعضا وهم الذين أخذوا المال: تقطع أيديهم

وأرجلهم وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه.

والشافعي وأتباعه.

وأما قوله عز وجل: وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ (٣) فإن أكثر تشبيهات العرب وغيرهم من سائر الأمم يجري على غير المماثلة في حقيقة الطول والقصر والسعة والضيق والثقل والخفة ونحو ذلك. وأكثر تشبيهاتهم أن أشياء قد عرفت بصفات خير أو شر أو رفعة أوضعة أو غير ذلك وتقرر ذلك في نفوسهم، فإذا أرادوا المبالغة في وصف شئ شبهوه بمثله من تلك الأشياء أو فضلوه عليه إذا أرادوا الانتهاء في المبالغة.

والغرض فيه أن ما شبهوه فيه ما يفضل به من تلك الحال فكيف ما شبهوه وجاز


(١) سورة البقرة، الآية: ١٣٥.
(٢) سورة المائدة، الآية: ٣٣.
(٣) سورة النحل، الآية: ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>