للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفعل للمؤنث. وقد قال أبو عثمان وغيره من النحويين: إن الألف في " قاما "، والواو في " قاموا " حرفان لا يدلان على الفاعلين والفاعلين المضمرين، وأن الفاعل في النّية، كما أنك إذا قلت: " زيد قام " ففي " قام " ضمير في النّية، وليست له علامة ظاهرة، فإذا ثنى وجمع فالضمير أيضا في النّية، غير أنّ له علامة.

قال أبو سعيد: القول فيه عندي ما قاله سيبويه؛ وذلك أنه لا خلاف بينهم أن التاء في " قمت " هي اسم المتكلم وضميره، وقد يكون للمتكلم فعل لا علامة للضمير فيه، كقولك: " أنا أقوم "، و " أذهب "، فإذا جاز أن يكون له فعلان، أحدهما يكون ضميره في النّية، وهو: " أقوم "، و " أذهب "، والآخر يتّصل به ضمير المتكلم، وهو: " قمت "، و " ذهبت "، جاز أن يكون ذلك في الغائب، وأيضا فإنك إذا قلت: " زيد قام، والزّيدان قاما " فقد حلّت هذه الألف

والضمير الذي في " قام " محل " أبوه " إذا قلت: " زيد قام أبوه "، فلما حلّ محلّ ما لا يكون إلا اسما وجب أن يكون اسما.

فإن قال قائل: لم كان الواحد المضمر المرفوع بلا علامة لضميره، كقولك " زيد قام " والاثنان والجماعة بعلامة، كقولك: " الزّيدان قاما " و " الزّيدون قاموا " و " الهندات قمن "؟

فإن الجواب في بذلك أنّ الفعل معلوم في العقول أنه لا بدّ له من فاعل، كالكتابة التي لا بدّ لها من كاتب، وكالبناء الذي لا بد له من بان، وما أشبه ذلك، ولا يحدث شيء منه من تلقاء نفسه، فقد علم فاعل لا محالة، ولا يخلو منه الفعل، وقد يخلو من الاثنين والجماعة، فلما لم يخل بالفعل من واحد، لم يحتج إلى علامة له، ولما جاز أن يخلو من الاثنين والجماعة احتاج إلى علامة.

فإن قال قائل: إذا جعلت الألف والواو والنون في: " قاما أخواك " و " قاموا إخوتك " و " قمن الهندات " علامة تؤذن بعدد الفاعلين، كما جعلت التاء في: " قامت هند " مؤذنة بالتأنيث، فلم لا يكون الاختيار " قاما أخواك "، كما كان الاختيار " قامت هند " ولا يحسن " قام هند "؟

فالجواب في ذلك أنهما يفترقان؛ لعل منها: أن التأنيث لازم للاسم، موجود فيه، وليست التثنية كذلك؛ لأنها قد تفارق الاسم فيصير إلى الواحد فللزوم التأنيث لزمت علامته؛ ولزوال التثنية لم تلزم علامتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>