للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلة أخرى: أن علامة التأنيث لا تمنع ضمير الاثنين. كقولك: " الهندان قامتا "، وعلامة الاثنين تمنع ضمير الاثنين وتشبهه، فكان ما لا يمنع شيئا من تصاريف الكلام أولى باللزوم مما يمنع.

وعلة أخرى: وهو أنك إذا قلت: " قاما أخواك " جاز فيه أن تكون الألف علامة، وجاز أن تكون خبرا مقدما، وأن يرتفع " أخواك " بالابتداء، فيكون التقدير " أخواك قاما "، فلمّا كان في تقديم علامة الاثنين والجماعة ما ذكرناه من اللبس، لم يلزمه تقديمه؛ لأنه لا يعلم أنه علامة فقط، والتاء علم التأنيث، تقدمت أو تأخرت.

وعلة أخرى: وهو أنه قد تشترك الرجال والنساء في أسماء كثيرة، نحو " هند وأسماء وجعفر ". قال الشاعر:

تجاوزت هندا رغبة عن قتاله ... إلى مالك أعشو إلى ذكر مالك (١)

وهند هاهنا رجل. وقال آخر:

يا جعفر يا جعفر يا جعفر ... إن أك دحداحا فأنت أقصر (٢)

فجعفر هاهنا امرأة. فلما اشترك الرجال والنساء في أسماء لزم علامة التأنيث؛ لئلا يظن أن الفاعل مذكر، ولحقت النون علامة للرفع؛ لأن ضمير الفاعلين، وهو الألف، منع الإعراب الذي كان يكون في آخر الفعل، وانفتح للألف ما قبلها، والمضارعة الموجبة للإعراب قائمة في هذا الفعل، فوجب إعرابه لها، ولم يكن سبيل إلى إعراب ما قبل الألف،

فجعل الإعراب بعدها، وجعلت النون هي الإعراب؛ لما ذكرنا من مشاكلتها حروف المدّ، وكسرت لالتقاء الساكنين، وجعل سقوطها علامة للنصب والجزم، والأصل في سقوطها للجزم. والنصب محمول عليه، كما حمل النصب على الجرّ في الأسماء؛ لأنّ الجرّ والجزم نظيران.

وجعلت النون علامة للرفع في خمسة أفعال، وهي: تفعلان، ويفعلان، وتفعلون، ويفعلون، وتفعلين، للمؤنث، والعلّة في ذلك كلّه واحدة؛ لأن الواو في الجمع والياء في المؤنث قد منعتا الإعراب الذي كان في الفعل توجبه المضارعة، والمضارعة الموجبة


(١) البيت بلا نسبة في شرح ابن يعيش ٥/ ٩٣.
(٢) البيتان غير منسوبين في شرح ابن يعيش ٥/ ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>