كان ما قبل حرف الروي متحركا لزم الشاعر الحركة التي قبله، إن كانت فتحة لم يجز أن يأتي بغيرها، وتسمى هذه الحركة التوجيه وإن كانت ضمة أو كسرة جاز له أن يأتي بالضم والكسر جميعا في قصيدة واحدة يتناوبان فيهما، ولا يجوز معهما الفتح بمنزلة الواو والياء في الردف، ولا يجوز معهما الألف. وزعم أنه من جمع بين الفتح والكسر، أو الفتح والضم فقد أخطأ، وأن رؤبة قد أخطأ في قوله:
ألّف شتّى ليس بالراعي الحمق
وقوله: مضبورة قرواء هرجاب فتق.
في قصيدته التي أولها:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
وأن بيت امرئ القيس:
إذا ركبوا الخيل واستلأموا ... تحرّقت الأرض واليوم قرّ
في قصيدته التي أولها:
لا وأبيك ابنة العامري ... لا يدّعي القوم أني أفرّ
أخطأ، وذكر أنه يروى: واليوم قرّ واليوم صرّ، وأن ذلك أولى بأن ينسب إلى امرئ القيس، ورأيت هذا القائل يعتقد أن ذلك نادر لا يوجد مثله ولم يوجد غير الذي ذكره، وهذا يدل على قلة تفتيش لأشعار العرب المتقدمين، وقد ذكرت لثلاثة من الشعراء ليسوا كلهم مكثرين ما استطلت أن أذكر أكثر منه مما جمعوا فيه بين المفتوح والمكسور والمضموم، على أني لا أنكر أن لزوم الفتح إذا ابتدئ به أحسن، ولزوم الضم والكسر للمبتدئ به أحسن، كما يكون في اللفظ وجهان يختار أحدهما على الآخر، ولا يكون الآخر خطأ ساقطا. قال عدي بن زيد العبادي:
طال ذا الليل علينا واعتكر ... وكأنّي ناذر الصبح سمر
من نجي الّهم عندي ثاويا ... بين ما أعلن منه وأسر
وقال في أخرى:
قد حان أن تصحو أو تقصر ... وقد أتى لما عهدت عصر
ثم قال:
قد فاض فيه كالعهون من ال ... أرواح لما أن علاه الزّهر