أن ما جاء من الكلام على حرف واحد قليل، ولم يشذ عنا منه شيء، وذلك لأنه عندهم إجحاف أن يذهب من أقل الكلام عدد حروف وسنبين ذلك إن شاء الله تعالى ".
قال أبو سعيد: معنى هذا أن أصل الكلام الأسماء الظاهرة التي تقع تحتها الأشياء ووضع كل واحدة منها على شيء كالميم له، وأقل الأسماء حروفا ما كان على ثلاثة أحرف، فكرهوا أن يختل الاسم بذهاب حرفين وبقاء واحد.
قال: " اعلم أنه لا يكون اسم مظهر على حرف أبدا، لأن المظهر يسكت عليه وليس قبله شيء ولا يلحق به شيء ولا يوصل إلى ذلك بحرف، ولم يكونوا ليجحفوا بالاسم فيجعلوه بمنزلة ما ليس باسم ولا فعل، وإنما يجيء لمعنى ".
يريد أن الاسم الظاهر يجوز أن ينفرد اللفظ به، وأقل ما ينفرد به حرفان لأنه لابد من أن يبتدئ بمتحرك ويوقف على ساكن، وإنما وجب أن ينفرد اللفظ بالاسم الظاهر أن سائلا لو سألك عن الاسم المسمى باسم فقال: ما اسم هذا لأوردت اسمه، فإن كان على حرف لم يستقم لما عرفتك من الاحتياج إلى متحرك في الابتداء وساكن في الانتهاء.
قال: " فالاسم أبدا له من القوه ما ليس لغيره، ألا ترى أنك لو جعلت في ولو ونحوهما اسما ثقلت ".
يعني وجب أن ثقلهما فتقول: في ولو، كما قال:
إن لوا ذاك أعيانا (١)
وإنما صارت علامة الإضمار حرفا في بعض المواضع لأنها ليست بأول، وليست بالاسم الموضوع للمسمى تمييزا لنوع من نوع أو لشخص من شخص، فأشبه الضمير الحرف الذي ليس باسم ولا فعل.
قال: " ولم يكونوا ليخلوا بالأول وهو المظهر إذ كان ذلك قليلا في سوى الاسم المظهر ".
يريد أن ما كان سوى الاسم المظهر من الحروف والأسماء المكنية على حرف واحد قليل جدا يعد ويحصى بأهون التكلف، فلم يستقم أن يكون المظهر على حرف، وإنما كان الاسم الأول لأنه لا يستغنى عنه في شيء من الكلام، وقد يستغنى عن الفعل
(١) قائله النمر بن تولب انظر ديوانه ١٢٠، المخصص ١٧/ ٥٠.