يكن بدّ من الفاء؛ لأنهما إنما أتي بها لئلا يتسلط ما قبلها على ما بعدها، ألا ترى أنك تقول:" إن تقم أقم " فتجزم " أقم " بما تقدم، ولو أدخلت الفاء عليها بطل جزمها، لا تقول. " إن تقم فأقم " فحذف الفاء مع الحاجة إليها لما ذكرنا
من ضرورة الشعر.
وقد كان سيبويه يجيز هذا الوجه، ويجيز أيضا تقدير الجواب على تقديم اللفظ، كأنه قال: تصرع إن يصرع أخوك.
وكان الأصمعي ينشد:
" من يعمل الخير فالرحمن يشكره "
وكان أبو العباس محمد بن يزيد يأبى أن يقدر الجواب مقدما؛ لأنه قد وقع في موقعه الذي ينبغي له؛ والشيء إذا وقع في موقعه لم ينو به التقديم.
ومثله:
فقلت تحمّل فوق طوقك إنّها ... مطبّعة من يأتها لا يضيرها (١)
أي فلا يضيرها.
واستقصاء هذا والاحتجاج لسيبويه في إجازة الوجهين له موضع ستقف عليه، إن شاء الله تعالى.
ومن ذلك حذفهم الفتحة من عين " فعل " كقولهم في " هرب ": " هرب " وفي " طلب "" طلب ". قال الراجز، أنشده الأصمعي:
على محالات عكسن عكسا ... إذ تسدّاها طلابا غلسا
أراد: غلسا.
وليس في وجه الكلام؛ لأن الفتحة غير مستثقلة، وإنما يفعلون مثل ذلك في الضمة والكسرة؛ كقولهم في " فخذ ": " فخذ " وفي " عضد ": " عضد ". ولا يقولون في:" جبل ":
" جبل "، ولكنهم قد يضطرون فيفتحون الساكن، كما تقدم ذكرنا له من قولهم في:
" خفق ": " خفق "، وفي " حشك "؛ " حشك "، فلما زادوا هذه الفتحة على الساكن، والسكون أخف من الفتح، كان حذف الفتحة أجدر؛ لأنهم يحلّونه بالحذف محلا له هو أخف من محلّه.
(١) البيت لأبي ذؤيب في ديوان الهذليين ٢٠٨، والخزانة ٣/ ٤٤٧، واللسان (ضير).