في العلم بوقوعه، وإن كان أحدهما من طريق اللفظ، والآخر من غيره.
وقوله:" كما علم أنّه قد كان "، يريد: كما علم أن الحدث والهاء ضميره. قد كان:
يعني قد وقع، وكذلك أيضا قد علم أنه قد وقع في مكان. وفي بعض النسخ:" قد كان ذهاب " وهذا غني على تفسير الضمير في كان.
وقوله:" اسما للمكان، وإلى المكان "، فالذي هو اسم للمكان نحو قولك:
" المذهب " و " المجلس " و " المقعد " و " المقام "، وسائر الأمكنة المشتقة من لفظ الأفعال.
وأما قوله:" وإلى المكان "، يريد: ما لم يكن مشتقّا من لفظ الفعل المذكور، كقولك:" خلفك " و " قدّامك " و " المكان " وما أشبه ذلك.
واعلم أن ظروف المكان مختصّة ببعض ألفاظ الأمكنة دون بعض، والألفاظ التي تكون لظروف الأمكنة، هي الألفاظ التي لا يختص بها مكان دون مكان، ويصلح استعمالها فيها كلها، فمن ذلك الجهات الست، وهي: خلف، وقدّام، ويمنة، ويسرة، وفوق، وتحت، وما كان في العموم مثلهن، وذلك أنه لا شيء من المكان إلا وهو يصلح أن يكون خلفا لشيء، وقدّاما لشيء، ويمنة لشيء، وكسرة لشيء، وفوقا لشيء، وتحتا لشيء.
وما جرى من الأماكن مجراهن فهو بمنزلتهن، كقولك: النّاحية، ووسط، وجانب، وذلك أنه لا شيء من المكان إلا وهو ناحية عن شيء، وجانب لشيء، ووسط لما يحيط به، فما كان سبيله هذا السبيل، جاز أن يكون ظرفا من المكان، وما كان مختصا بضرب من البنية أو بشيء من البقاع على صورة لا يقع على غيرها لم يصلح أن يستعمل ظرفا نحو: المسجد، والبيت، والدّار، والحمّام، والسّوق، والجبل، والصّحراء، والوادي، وما أشبه ذلك؛ لأن هذه أشياء سمّيت بهذه الأسماء، لاختصاصها بضرب من الصور غير موجود في غيرها، ألا ترى أن المسجد اسم لبقعة ما، على صورة من الصّور، إذا بطلت بطل أن تكون مسجدا، وكذلك الدّار والحمّام، والجبل: فتقول: " قمت خلف " و " قمت ناحية " و " كلّمت زيدا مكانا طيّبا "، ولا يجوز أن تقول:" كلّمت زيدا المسجد ولا البستان "، حتى تأتي بحرف الجرّ؛ لأن ما لم يكن ظرفا من المكان، فهو بمنزلة سائر الأسماء، يصل الفعل إليه كما يصل إلى غيره، بحرف جرّ أو بغيره، فتقول:" قمت في المسجد " كما تقول: " تكلّمت في زيد ".