للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرناه كان النهي مثله.

وأما حروف المجازاة والشرط فإنما جزمت ما بعدها؛ لأنها محتاجة إلى أجوبة من أفعال وجمل، فاستطالوا الكلام فأعطوه الجزم تخفيفا له؛ من أجل طوله، وذلك أنك إذا قلت: " إن تكرمني " لم يكن كلاما تاما، حتى تجيء له بجواب فتقول: " أكرمك "، أو فأنا مكرم لك أو نحو ذلك من الأجوبة، فلذلك آثروا الجزم، والله أعلم.

فإن قال قائل: إذا قلتم: " إن تكرمني أكرمك " بماذا جزمتم الأول والثاني؟ قيل له.

أما الأول فلا اختلاف بين أصحابنا- أعلمه- في أنه مجزوم " بأن " واختلفوا في الجواب على ثلاثة أنحاء: فكان أبو العباس محمد بن يزيد (١) يقول: إنه جزم بإن والفعل الذي بعدها جميعا، وإنهما عاملان فيه، وكان يقول: هو بمنزلة الخبر والابتداء، والعامل والمبتدأ الرافع له الابتداء، والابتداء والمبتدأ عاملان في الخبر، وكذلك " إن " هي العاملة فيما بعدها، وهي وما بعدها عاملان في الجواب، وحجته في ذلك أن الثاني الذي هو الجواب- لا يصح أن يتقدم الأولين، فلا جائز لأحد أن يجعل العامل أحد الأولين إلا جاز لآخر أن يضادّه في دعواه، وليس أحدهما أولى من صاحبه بالعمل في الجواب فجعلنا العامل اجتماعهما جميعا؛ من حيث لا يصح الثاني الذي هو الجواب إلا بتقدم الأولين واجتماعهما.

والقول الثاني: أنّ " إن " هي العاملة في الشرط والجواب جميعا، كما يعمل الفعل في الفاعل والمفعول به جميعا، إلا أن العوامل تختلف إعمالها ومعمولاتها، فمنها ما يعمل فيه بأن يكون إلى جنبه وملاصقا له. ومنها ما يعمل فيه بواسطة بينهما. وقد كان بعض أصحابنا يشبه هذا بالنار التي تعمل فيما في القدر يتوسط القدر بينهما، وتؤثر فيه تأثيرا ما، وتؤثر في القدر الإحماء والتسخين، فقد أثرت في القدر بلا واسطة، وأثرت فيما فيها بواسطة، وهي القدر، وهذا تقريب، وجملة الاعتلال لهذا القول، أنا رأينا الأول ينجزم بالحرف فقط، بلا اختلاف وكذلك الجواب ينجزم بمثل ما انجزم به الشرط، إلا أن الحرف الذي يعمل فيهما، يقبل في كل شيء، منهما في موضعه الذي رتب فيه لمعناه.


(١) أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي، المعروف ب (المبرد). توفي سنة ٢٨٥ هـ. نزهة الألباء ٢١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>