للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" عليم "، فيعمل مضمرا وقد ذكرنا ذلك في اسم الفاعل، وليس كذلك الصفة المشبهة، وهو: باب " حسن الوجه "،

إذا قلت: " هذا حسن الوجه " لم يحسن أن تقول: " هذا الوجه حسن "، كما تقول: " هذا زيدا ضارب " فهذا هو معنى قوله: لأن هذا لا يقلب أي لا يقدم. وإذا قلت: " هذا حسن الوجه والعين " لم يصلح أن تنصب العين بإضمار " وحسن العين " كما تقول: " هذا ضارب زيد وعمرو " ثم تقول: " هذا ضارب زيد وعمرا "، على إضمار " وضارب عمرا "، فاسم الفاعل يتصرف، ويجري مجرى الفعل، وليس بمنزلة الصفة المشبهة.

وقوله: (وإنما حده أن يتكلم به في الألف واللام لا يعني أنك إذا أوقعت فعلا سلف منك إلى أحد).

يعني: باب " حسن الوجه "، وذلك أن " حسن الوجه " ليس بجار على فعله. ألا ترى أنك لا تقول: " زيد يحسن الوجه، ولا " زيد حسن الوجه "، وإنما شبه " حسن " بالفاعل، والاختيار عندهم أن يكون في الوجه الألف واللام، وأن يضاف فيقال: " حسن الوجه "، ولا يحسن أن تفصل بين " حسن " وما يعمل فيه، فتقول: " هو حسن في الدار الوجه "، و " كريم فيها الأب كما تقول: " هو ضارب في الدار زيدا "، وأنا أستقصي الكلام في " حسن الوجه " إذا انتهيت إليه، وأبين علله إن شاء الله تعالى.

قال: (ومما أجري مجرى الفعل من المصدر قوله:

يمرون بالدّهنا خفافا عيابهم ... ويخرجن من دارين بجر الحقائب

على حين ألهى الناس جلّ أمورهم ... فندلا زريق المال ندل الثّعالب) (١)

قال أبو سعيد: اعلم أن المصادر تعمل عمل الأفعال التي أخذت منها، كما عملت أسماء الفاعلين عمل الأفعال التي جرت عليها، وذلك أن الفعل متوسط بين المصدر واسم الفاعل لأنه مأخوذ من المصدر، واسم الفاعل مأخوذ منه، وقد تقدم ذلك. غير أن المصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول به، لأنه متعلق بهما، وهو غيرهما، كقولك: " هذا بناء الحائط "، و " هذا بناء زيد ". واسم الفاعل لا يضاف إلى الفاعل كما يضاف إلى المفعول به، لا تقول: " هذا ضارب زيد "، والضارب هو " زيد " لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه، واسم


(١) البيتان للأعشى همدان في سيبويه ١/ ١١٥ - ١١٦، الكامل للمبرد ١/ ٢٤، العيني ٣/ ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>