ووجه آخر وهو أن المجزوم الساكن قد تلقاه ساكن بعده، فلو حركناه بالضم أو بالفتح لتوهّم أنه فعل مرفوع أو منصوب.
فإن قال قائل: قد رأينا الساكنين إذا اجتمعا حرك الأول منهما أو حذف إن كان مما يحذف، ورأينا التغيير يلحق الأول منهما فألا ألحقتم التغيير الياء من أين دون غيرها؟
قيل له: لعمري كان حكم اجتماع الساكنين أن يلحق التغيير الأول، إذا لم تكن علة مانعة، نحو قولك: قامت المرأة ولم يذهب الرجل، وقد يلحق الثاني التغيير إذا لم يمكن في الأول، كقولك: رجلان، وغلامان، ومسلمون، وصالحون، وما أشبه ذلك.
والذي منع الأول في " أين " من التحريك هو أنا لو كسرنا الياء كانت الكسرة فيها مستثقلة، ولو فتحناها فقلنا " أين " وجب أن نقلبها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها على حكم التصريف، كقولنا: باع وجاد، ولو قلبناها ألفا وجب تحريك النون أو حذف الأول، فكان يلزم فيه تغيير بعد تغيير، فتجنبوا ذلك.
فإن قال القائل: فلم وجب في التقاء الساكنين تغيير الأول دون الثاني؟ قيل له: من قبل أن سكون الأول يمنع من التوصل إلى الثاني، وبتحريكه يتوصل إلى النطق بالثاني، فصار بمنزلة ألفات الوصل التي تدخل متحركات ليتوصل بها إلى ما بعدها من الساكن.
فإن قال قائل: فقد رأينا في كلامهم، نحو: جير، وحيص بيص في بعض اللغات، وحروف قد جاءت مكسورة على مثال أين وفيه من استثقال الكسر بعد الياء مثل ما ذكر تموه في أين، فكيف ساغ لكم الاحتجاج في فتح أين وأخواتها بما ذكرتموه، وقد جاء ما ينقض ذلك من هذه الأسماء الذي ذكرناها؟
قيل له: إنما كسرت هذه الأسماء على أصل ما يجب لالتقاء الساكنين، وقلّت في كلامهم فلم يحفلوا بكسرها لقلتها وقلة معالجتهم لها، وأين وأخواتها كثيرات الدور في الكلام؛ لأنها يستفهم بها عن الأشياء العامة، فاختير لها أخف الحركات لما فيها من الياء، وثقل الكسر معها على ما وصفنا، فاعرف ذلك إن شاء الله.
وأما " كيف " فإنه يستفهم بها عن الأحوال، ووقعت موقع ألف الاستفهام، كأنك إذا قلت كيف زيد فقد قلت: أصحيح زيد أم سقيم؟ أم غير ذلك من أحواله؟ إلا أنك لو نطقت بأحواله واحدة واحدة طال عليك أن تأتي على آخرها، ولم تكن مستوعبا للغرض