السوق، أو في المسجد ". ولم يكن في واحد منها، قال المسؤول " لا " ويكون مجيبا، ويكون صادقا في ذلك، وليس عليه أن يجيب عن مكانه وإن كان عالما به لأنه لم يسأل إلا عن كونه في هذه الأمكنة فقط، ولو ذهب السائل فعدد الأمكنة مكانا مكانا في الاستفهام قصّر عن استيعابها وطال عليه بلوغ غايتها، فأتى بلفظة تشتمل على الأمكنة كلها وتقتضي الجواب عن كل واحد منها، وتتضمن معنى الاستفهام، وهي " أين " ووجب أن تبنى على السكون لوقوعها موقع حروف الاستفهام، إلا أنه التقى في آخره ساكنان، الأول منهما ياء فآثروا الفتح من أجل الياء التي قبلها ولأنها كثيرة الدّور في كلامهم، ولم يحملوه على قياس ما يجب في التقاء الساكنين من الكسر استثقالا للياء والكسرة بعدها؛ لأن الكسرة كبعض الياء ألا ترى أنك إذا أشبعت الضمة صارت واوا، وإذا أشبعت الكسرة صارت ياء، وإذا أشبعت الفتحة صارت ألفا.
وقد اختلف الناس في الحركات والحروف المأخوذة منها الحركات؛ فقالت طائفة إن الحروف مركبة من الحركات، كأنهم جعلوا الواو مركبة من ضمة مشبعة وكذلك أختاها، وقالت طائفة: إن الحركات مأخوذة من الحروف، قالوا: والدليل على ذلك أنا رأينا هذه الحروف الثلاث لها مخارج كمخارج سائر الحروف، فعلمنا أنها غير مركبة من شيء سواها، والحركات مأخوذة منها، ويدل على أن الحركات مأخوذة منها أنا إذا أردنا تحريك حرف بإحدى الحركات الثلاث، أملنا ذلك الحرف إلى مخرج الحرف المأخوذة منه تلك الحركة.
فإن قال قائل: ولم زعمتم أن التقاء الساكنين يوجب كسر أحدهما، دون أن يوجب ضمه أو فتحه؟ قيل له: في ذلك علتان:
إحداهما: أنا رأينا الكسرة لا تكون إعرابا إلا باقتران التنوين بها، أو ما يقوم مقامه، وقد تكون الضمة والفتحة إعرابين فيما لا ينصرف بغير تنوين يصحبهما. ولا شيء يصحبهما يقوم مقام التنوين، وإذا اضطررنا إلى تحريك الحرف حركناه بحركة لا يوهم إنها إعراب وهي الكسرة.
والعلة الثانية: أنا رأينا الجر مختصا بالأسماء، ولا يكون في غيرها، ورأينا الجزم الذي هو سكون مختصا به الأفعال دون غيرها. فقد صار كل واحد منهما في لزوم بابه والاختصاص به مثل صاحبه، فإذا اضطررنا إلى تحريك الساكن منهما حركناه