للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أضفت " سارق " وهو اسم فاعل إلى " الليلة " كما تضيف اسم الفاعل إلى أحد المفعولين وتنصب الآخر، فهذا شبهه به في اللفظ.

وأما خلافه له في المعنى فلأن الليلة كانت ظرفا في الأصل، وأهل الدار قد كان يتعدّى السّرق إليهم بحرف الجر، وهو " من "، فكان الأصل " سرقت في الليلة من أهل الدار " فحذفت " في " وجعلت الليلة مفعولة على السّعة وحذفت " من " فوصل الفعل إلى أهل الدار، كما قال تعالى: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا (١) أي من قومه، فقلت بعد الحذف: " سرقت الليلة أهل الدار ".

ثم أجريت اسم الفاعل على ذلك.

قال: (فتجرى الليلة على الفعل في سعة الكلام، كما قالوا: صيد عليه يومان، وولد له ستّون عاما).

يعني جرت الليلة مفعولة على السّعة، وإن كان أصلها الظرف، كما أقيم اليومان والستون عاما مقام الفاعل في " صيد عليه " وولد له، وإن كان اليومان لم يصادا وإنما صيدا فيهما، والستون لم تولد، وإنما ولد للرجل أولاد فيها.

قال: (فإن نونت فقلت: " يا سارقا الليلة أهل الدار " كان حد الكلام أن يكون أهل الدار على سارق منصوبا وتكون الليلة ظرفا؛ لأن هذا موضع انفصال).

يعني أنك إن لم تضف " سارق " إلى " الليلة " نونته وهو منادى فهو معرفة، وإنما يجب تنوينه وهو مفرد معرفة، لأنك قد أعملته فيما بعده. فلم يتم آخره فيبنى، فصار بمنزلة المضاف والنكرة، وإن كان القصد إلى واحد بعينه، ومثله: " يا خيرا من زيد أقبل " تنصبه، وإن كنت تقصده بعينه، ولا تبنيه لأن " من زيد " تمام لخبر، وتنصب الليلة بها

على الظرف، وأهل الدار نصب لوقوع السّرق عليهم، وإن شئت نصبت الليلة؛ لأنها مفعول بها على سعة الكلام.

قال: ولا يجوز " يا سارق الليلة أهل الدار " إلا في شعر كراهية أن يفصلوا بين الجار والمجرور.

قال أبو سعيد: وإنما كرهوا ذلك لأن المجرور من تمام الجار، لأنه يقوم مقام التنوين


(١) سورة الأعراف، آية: ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>