ولو لم تجعل فيه ضميرا ورفعت الوجه بفعله، لم تثن ولم تجمع، وقلت: " مررت برجلين حسن أوجههما، وبرجال حسن أوجههم، وبامرأة حسن وجهها، وبنساء حسن أوجههنّ " فإذ قد وصفنا السبب المغيّر للفظ الأصلي في الصفة المشبهة، فإنا نذكر ضروب اللفظ بذلك، والاختيار منها.
إذا قلت: " مررت برجل حسن الوجه " ففيه خمسة ألفاظ: أولها: " مررت برجل حسن وجهه " والثاني: " مررت برجل حسن الوجه " وهو أجود الوجوه بعد الأول، إذا نقلت الفعل، و " مررت برجل حسن الوجه "، و " مررت برجل حسن وجه "، و " مررت برجل حسن وجها ".
فأما قولك: " مررت برجل حسن وجهه " فهو الأصل غير مغيّر، وأما قولك " مررت برجل حسن الوجه "، فهو الاختيار من وجهين: أحدهما أن الوجه في هذا الباب تختار فيه الإضافة، وإدخال الألف واللام في المضاف إليه.
فأما الذي أوجب اختيار الإضافة، فمن قبل أن اسم الفاعل في هذا الباب لم يكن منه فعل مؤثر فيما بعده، كما كان ذلك في قولك: " زيد ضارب عمرا "؛ لأن " حسن " لم يعمل بالوجه شيئا، كما عمل زيد " الضرب بعمرو " فأرادوا الفرق بين ما كان له فعل مؤثر وبين ما لم يكن له فعل مؤثر، فاختاروا فيما كان له فعل مؤثر إجراؤه على الفعل ونصبه، وما لم يكن له فعل مؤثر يجري عليه، جعلوه بمنزلة الاسم إذا اتصل بالاسم، كقولك: " غلام زيد "، و " دار عمرو "؛ لأن الصفة المشبهة غير معتبرة بفعلها، وإنما حدث لها هذا المعنى حيث صارت اسما.
ووجه ثان يوجب اختيار الجر، وهو أن الصفة المشبهة غير مستغنية عن الاسم الذي بعدها؛ لأنك لو حذفت الاسم تغير المعنى، ألا ترى أنك إذا قلت: " زيد حسن الوجه " فقد أوجبت أن الحسن للوجه، منقول إلى لفظ زيد، ولو حذفت فقلت: " زيد حسن " كان الحسن له دون غيره، وأنت إذا قلت: " زيد ضارب عمرا " ثم حذفت " عمرا " لم يجهل أن الضرب واقع منه بغيره فحذف " عمرو " لا يخل بالمعنى، فلما كان كذلك، وكان ذكر الوجه ألزم من ذكر المفعول الصحيح، وجب أن يكون الجر أولى به؛ لأن المجرور داخل في الاسم الأول كبعض حروفه.