وإنّ الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد (١)
أراد الذين حانت بفلج دماؤهم، فحذف النون، ولو جعل الألف واللام مكانها لقال: إن الحائني بفلج دماؤهم.
والحافظو عورة العشيرة، كقولك: حفظوا بحذف النون، وكما حذف من " الذي " حذف مع الألف واللام، قال الأخطل في التثنية:
أبني كليب إن عمّيّ اللذا ... قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا
فحذف النون من " اللذا "، ولو جعل مكانها الألف واللام لقال " القاتلا الملوك " فحذف النون تخفيفا.
قال سيبويه:" وتقول فيما لا يقع إلا منونا عاملا في نكرة وإنما وقع منونا؛ لأنه فصل به بين العامل والمعمول، فالفصل لازم له أبدا مظهرا أو مضمرا، وذلك قولك:
" هو خير منك أبا وأحسن منك وجها "، ولا يكون المفعول فيه إلا ما كان من سببه ".
إن قال قائل: لم لم يقع " خير منك " و " أفضل منك " وبابهما مضافا؟ ففي ذلك جوابان: أحدهما أن هذا الباب وضع للتفضيل، فإذا قلت:" زيد أفضل من عمرو "؛ فقد زعمت أن فضل زيد ابتدأ من فضل عمرو راقيا صاعدا، فدللت بهذا على أنه أفضل من كل أحد مقدار فضله كمقدار فضل عمرو، فكأنك قلت: علا فضله عن هذا المقدار، فتبين المخاطب أنه قد علا عن هذا الابتداء، ولم يعلم موضع الانتهاء، فصار كقولك:
" سار زيد من بغداد " فقد علم المخاطب أن زيدا ابتدأ مسيره من بغداد، فجاوزها ولم يعلم أين انتهى، فلما كان معنى هذا الباب الدلالة على ابتداء التفضيل عن مقدار المفضل عليه، وكل من كان في محله ومنزلته، لم يكن بدّ من من ظاهرة أو مضمرة، فلما كانت كذلك نوّن ولم تصلح إضافته إلى المفضل عليه؛ لدخول " من " فاصلة بينهما لفظا وتقديرا، وانتصب ما بعده لتنوين الأول؛ لأنه ليس بفاعل، والفاعل " هو " مضمر في " أفضل " وفي " خير "
وهو الأول.
والعلة الثانية أنك إذا قلت:" زيد أفضل منك " فأفضل بمنزلة الفعل، لأنك إنما أردت به العبارة عن الفعل، فكأنك قلت: فضله يزيد على فضلك، ولذلك لم يثنّ ولم