للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعض بني تميم يجعل ما آخره راء كغيره من نحو حذام وقطام فلا يصرفها ويرفعها في الرفع، ويفتحها في النصب والجر، قال الشاعر:

ومرّ دهر على وبار ... فهلكت جهرة وبار (١)

وهذا البيت للأعشى وهو من بني قيس بن ثعلبة إلا أن منزله باليمامة وفيها بنو تميم وغيرهم من قبائل العرب والمتجاورون قد يغلب على جماعتهم لغة أصلها لبعضهم.

قال سيبويه: " والضم نحو حيث وقبل وبعد ".

قال أبو سعيد: أما حيث فقد مرّ تفسيرها وأما قبل وبعد فإن أصلهما في الكلام أن يكونا مضافتين وكذلك حقهما في معناهما، كقولك جئتك قبل يوم الجمعة وقبل وبعد يوم التقينا فيه فحذف ما أضيفتا إليه واكتفى بمعرفة المخاطب فصارا بمنزلة بعض الاسم؛ لأن المضاف والمضاف إليه كشيء واحد، فلما بقي المضاف دون المضاف إليه وتضمن معنى الإضافة وجب أن يبنى، لأن بعض الاسم مبني فإذا نكرا لحقهما الإعراب، كقولك " جئتك قبلا يا هذا "، ومن قبل ومن بعد، لأنهما إذا نكرا لم يتضمنا معناهما مضافين، لأن المخاطب لم يعرف معناهما مضافين

فلم يصيرا كبعض الاسم، قال الشاعر:

فساغ لي الشراب وكنت قبلا ... أكاد أغصّ بالماء الفرات (٢)

فإن قال قائل: ولم لم يبن على سكون؟ قيل له المبنيات على ضربين:

ضرب لا ملابسة بينه وبين المتمكن ولا تعلق له به. وضرب يلابسه ويتعلق به، فإذا كان كذلك فلا بد من ترتبهما في البناء فيجعل لكل واحد منهما مرتبة غير مرتبة صاحبه، فلما كان السكون أنقص من الحركة بنينا عليه كل مبني لم يتعلق بالمتمكن ولم نلابسه وجعلنا المبني الملابس للمتمكن مبنيا على حركة، ليكون له بذلك فضيلة على المبني الآخر لفضل الحركة على السكون، فوجب من أجل ذلك أن يبني قبل وبعد على حركة لأنهما متمكنان في الإضافة وتمكنهما في حال الإضافة فضيلة لهما في حال البناء وتعلّق منهما بالمتمكن.

فإن قال قائل فلم وجب بناؤهما على الضمة من بين الحركات دون غيرها؟


(١) البيت للأعشى في ديوانه ٢١٨.
(٢) البيت منسوب لعبد الله بن يعرب ويزيد بن عمر الكلابي في معاني القرآن ٢/ ٣٢٠، وخزانة الأدب ١/ ٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>