للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنّ الفاء تدخل على كلام مستأنف، وهذه الحروف تدخل على مبتدإ وخبر فلم يجعله مما قال الفراء؛ فكذلك قولك: أمّا عبد الله فلأضربنّه، وجه الكلام الرفع لمكان اللام لأنّه لا ينصب ما بعدها ما قبلها، فهذا احتجاج لاختياره الرفع فمفهوم كلامه أنّ النصب يجوز، وليس بالوجه.

ومما أجاز: أمّا عبد الله فما أعرفني به، أو ما أزورني له، رفعت ونصبت وخلقة التعجّب أن لا يقع ما بعده على ما قبله، لو حذفت " أمّا " و " الفاء " لا تقول: " عبد الله ما أضربني له " إلا أنّ النصب جاز حين دخلت " أمّا " و " الفاء " كما جاز في " أنّ " و " ليت " و " لعلّ ".

قال أبو سعيد ": لأن التعجّب في الأصل خبر عن فعل إذا قلت: ما أظرف زيدا وما أضربه، فمعناه: زيد ظريف جدّا وضارب جدّا ضربا كثيرا، ولو جئت بهذا اللفظ نصبت به ما قبله.

وقال الفرّاء إنه سمع الكسائي أنشد من هذا البيت:

" أما قريشا فأنا أفضلها "

أي: أنا منها، وأنا أفضلها، والرفع في هذا أقوى، وكذلك: أمّا عبد الله فإنّي أفضل منه.

قال أبو سعيد: وكأنّ هذا محمول على معناه، لأنّ قوله: إنّي أفضلها: أنا أفضلها.

من فضلت أفضل، وكذا معنى: فإني أفضل منه، أي: أنا أفضله.

قال الفرّاء: ومما لا يجوز فيه إلا الرفع: أمّا القميص فأن تلبس خير لك، قال:

وذلك أنّ " أن " التي مع تلبس لم تكتسبهما الفاء إنما هي بمعنى اسم، كأنّك قلت: أن تلبس القميص خير لك.

قال أبو سعيد: يعني أنه لا سبيل إلى إسقاط " أن " في التقدير، فلم يصلح أن يعمل ما بعدها فيما قبلها، لأنها وما بعدها بمنزلة اسم.

ومما لا يجوز عنده إلا رفعه: أمّا عبده فما أعطيته قليلا ولا كثيرا؛ لأن ما بعدها لا يعمل فيما قبلها، أما عبد الله فما أظرفه لا يجوز إلا بالرفع، والفصل بين هذا وبين أما عبد الله فما أعرفني به بالرفع والنصب أنّ العائد إلى عبد الله وهو الهاء في به وموضعه نصب بوقوع المعرفة عليه لا بالتعجّب، والمعنى: فأنا أعرفه، والهاء في ما أظرفه، وإن كانت في

<<  <  ج: ص:  >  >>