للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعنى واللام تدخل على المفعولات، كقولك: " ضربي لزيد " و " دعائي لزيد "، أي: " ضربي واقع بزيد "، ودعائي واقع به. وتقول: " ضربي لزيد " إذا كنت ضربت غيره لأجله. فإذا قلت: " يا لزيد " فهو المدعو فيشبه هذا قولك: " دعائي لزيد " إذا كان هو المدعو به فإذا قلت: " بالزيد " فقد دعوت غيره من أجله، فهو يشبه قولك: " دعائي لزيد " أي

من أجله.

فلما كان المدعو والمدعو له يقعان في لفظ النداء، قوى اللبس بينهما إلا بفاصل، ففتحوا اللام من أحدهما، وبقوها من الآخر على حالها. وربما كان الشيء الواحد يصلح فيه المعنيان جميعا، يقولون: " يا للعجب " و " يا للعجب " فإذا قالوا: " يا للعجب " بكسر اللام، فكأنك قلت: " يا قوم تعالوا للعجب "، فهو بمنزلة المدعو إليه. وإذا قالوا: " يا للعجب " فكأنهم نادوا العجب، فقالوا: " يا عجب تعال "، فإن هذا من زمانك ووقتك فهو بمنزلة المدعو.

وأما قول الشاعر:

يا لبكر أنشروا لي كليبا ... يا لبكر أين أين الفرار (١)

فإن كثيرا من الناس يروي الأول بالفتح والثاني بالكسر. فإن قيل: فكيف يكونون مدعوين ومدعوا إليهم غيرهم في حال؟ فالجواب في ذلك أن الشاعر في الأول يهزأ بهم، كما يقال للمنهزم: " إلى أين أرجع؟ " وقد قيل في قوله عز وجل: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ. لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ ... (٢) إن هذا توبيخ لهم حين فروا، وبخوا على ما كان منهم.

وقال قتادة: هذا هزء من ربنا جلّ وعزّ.

وإذا استغثت بقوم ففتحت اللام منهم، ثم عطفت على ذلك، فإن اللام من المعطوف مكسورة، كقولك: " يا للرجال وللنّساء "، اللام من الرجال مفتوحة، ومن النساء مكسورة؛ وإنما كسرت هذه اللام وهي في موضع المستغاث به، من قبل أن اللام في المستغاث به، إنما فتحت وأصلها الكسر. لئلا يقع اللبس بين المدعو والمدعو إليه.

فإذا فتحناها ثم عطفنا عليها، فقد علم أن الثاني مدعو ومستغاث به، ولم يقع بينه وبين


(١) البيت منسوب لمهلهل بن ربيعة في خزانة الأدب ١/ ٣٠٠، وسيبويه ١/ ٣١٨.
(٢) سورة الأنبياء، آية (١٢ - ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>