للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيره لبس، فردّت لامه إلى أصلها من الكسر.

قيل له: من قبل أن لام المستغاث له هي على معناها غير مغيرة ولا مزالة؛ لأنك إذا قلت: " يا لزيد " فمعناه: أدعوكم لزيد، فكأنك قلت: يا قوم أدعوكم لزيد، ومن أجل زيد وبسببه ناديتكم. وإذا قلت: " يا لزيد " فكأنك قلت: ندائي لزيد، كما تقول: ضربي لزيد، وكرامتي لزيد، فلهذا التأويل دخلته اللام، فالمدعو له على ما بينا لا يصلح نزع اللام منه؛ لأن معناه: من أجله وسببه والمدعو قد كان الأصل ألا تدخل فيه اللام لأنك إذا قلت: " ضربي لزيد "، و " كرامتي

لزيد " فأنت تريد أن ضربك واقع بزيد، وكرامتك لاحقة به. والأصل: ضربي زيدا وكرامتي زيدا، فكان إجراء اللام على أصلها، فيما لا بد له من اللام أولى من إجرائها فيما لا تلزم اللام فيه في معناه، فاعرف ذلك إن شاء الله.

فإن قال قائل: فهلا كسرت كاف التشبيه؛ لأنها تلزم الخفض كما كسرت الباء للزوم الكاف الإضافة والجر، كما زعمتم ذلك في الباء؟

قيل له: إن الباء لا تكون إلا جارة، ولا تستعمل إلا حرفا، وقد تكون الكاف بمنزلة المثل تستعمل اسما حتى تدخل عليها حروف الجر من ذلك قول الشاعر:

وصاليات ككما يؤثفين

فأدخل الكاف الأولى وهي حرف جار على الكاف الثانية، فعلمنا أن الكاف الثانية ليست بحرف؛ لأن حروف الجر لا تدخل إلا على الأسماء. ومنه قول الأعشى:

هل تنتهون ولن ينهى ذوي شطط ... كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل (١)

في هذا البيت قولان:

أحدهما: أن يكون تقديره؛ ولن ينهى ذوي شطط شيء كالطعن.

والقول الثاني: أن تكون الكاف اسما بمنزلة: " مثل "، وتكون هي الفاعلة لينهى، وهذا أجود القولين، وهو قول المبرد. وإنما صار أجود القولين من قبل أنه لا بدّ لينهى من فاعل، ولا يصلح أن يكون فاعله محذوفا، لأن الفعل لا يصلح إلا بفاعل.

قال سيبويه: " والضم فيها " منذ " فيمن جر بها؛ لأنها بمنزلة " من " في الأيام ".

قال أبو سعيد: اعلم أن " منذ " و " مذ " جميعا في معنى واحد، وهما يكونان اسمين


(١) البيت للأعشى في ديوانه ق ٦/ ٦١ ص ٦٣ وخزانة الأدب ٤/ ١٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>