للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوهم إلى غيره، فمن أصابته صاعقة، ثم عرف بعض أولاده بابن الصعق حتى إذا ذكر ابن الصعق لم يذهب الوهم إلى غيره إلّا ببيان. وكان أشهر ولده وأكثرهم علما، وأغزرهم شعرا، وأشجعهم للعدو، وألزمهم للحروب، وأسرعهم إلى الوقائع، يزيد بن عمرو بن الصعق (١)، وكان قد أسر وبرة بن رومانس الكلبي (٢) أخا النعمان بن المنذر لأمّه، فأرسل إليه النعمان أن يطلقه فأبى حتى يحكّم، فأرسل إليه النعمان فحكّمه، فاحتكم مائة فرس، ومائة بعير، ومائة شاة، ومائة سيف، ومائة رمح، وألف قوس، وألف درع، فأرسل إليه بذلك فخلّى سبيله. ومن شعره:

فما كان مالي من تراث ورثته ... ولا صدقات من نساء ولا سرق

ولكن عناق الدارعين وطعنهم ... وفودي بأرسان المسوّمة العتق

وصبري إذا نفس الجبان تطلعت ... وأعصم من وقع الأسنة كالبرق (٣)

وليس كل من كان ابنا للصعق عرف بابن الصعق كمعرفة زيد. ومثله في الإسلام أنّه كان لكل واحد من عمر بن الخطاب، والزبير بن العوام، والعباس بن عبد المطلب، رضوان الله عليهم، أولاد جماعة، فغلب على عبد الله بن عمر أن يعرف بابن عمر وإن لم يسمّ، فيعلم أنه عبد الله دون غيره من ولد عمر، وكذلك ابن الزبير عبد الله، وكذلك عبد الله بن عباس، فإذا ذكر ابن عمر وابن الزبير وابن عباس لا يذهب الوهم إلى غير هؤلاء من ولد هؤلاء الثلاثة، وذلك إذا قيل: ابن رألان، علم أنّه جابر بن رألان الطائي السنبسي، ولا يذهب الوهم إلى ابن آخر لرألان، وكذلك سويد بن كراع العكليّ، ومن ذلك قولهم للثريا: النجم، وذلك أنّ النجم واحد النجوم نكرة، ثم تدخل عليه الألف واللام فيقال النجم، لنجم عرفه المتكلم والمخاطب وعهداه، أي نجم كان، ثم غلب على الثريا اسم النجم حتى يقول القائل: طلع النجم، فيعلم المخاطب أنه يعني به الثريا من غير عهد بينهما. قال أبو ذؤيب:


(١) هو يزيد بن عمرو ابن الصعق فارس جاهلي من الشعراء، خزانة الأدب ١/ ٢٠٦.
(٢) ابن رومانس الكلبي هو المنذر بن وبرة الكلبي، شاعر جاهلي أدرك الإسلام، اشتهر بنسبته إلى أمه (رومانس)، وهو أخو النعمان بن المنذر اللخمي. التاج ٤/ ١٦٤.
(٣) خزانة الأدب ١/ ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>