للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوردن والعيّوق مقعد رابئ ... ضرباء خلف النجم لا يتتلّع (١)

يريد بالنجم: الثريا، والثريا أيضا تجري هذا المجرى؛ لأن الأصل فيها ثروى، ومعناها كثير من الثروة، وتروى كثيرة الكواكب؛ لأن كواكبها سبعة أو نحوها، فصغرت فصارت ثريّا، ودخلت الألف واللام عليها وغلب اللفظ على هذه الكواكب بعينها دون سائر ما يوصف بالثروة والكثرة، ولو أخرجت الألف واللام من الصعق أو النجم أو الثريا لم تصر معرفة؛ لأن تعريفها بالألف واللام لا بالتسمية، كما لو ألقيت رألان من ابن، بطل التعريف؛ لأن تعريف ذلك ليس كتعريف زيد وعمرو وسلام؛ لأنها أعلام جمعت ما ذكرنا من التطويل وحذفوا.

يريد أن العلم جمع معرفة الرجل وأحواله فأغنى عن تطويل ذكره. وقد مضى الكلام في نحو هذا. وقد مضى الكلام في منع زيد ونظائره الألف واللام، فأمّا الحارث والحسن والعباس فمذهب العرب في هذه الأسماء وما جرى مجراها، أن يجعلوها لأولادهم وسائر من يسمون بها تفاؤلا وترجيا أن يصير فيهم تلك الأشياء، فيعزونهم لما تراد له تلك الأسماء نحو الحارث، ومعناه: الكاسب الذي يحرث لدنياه ويكسب، والعباس:

المجرّب الذي يعيش في الحرب، فسموا بما أعدّوا له كما يقال: الأضحية والذبيحة لما أعدّ لذلك، وربما اعتقدوا لهم معنى أو رأوه فيهم فوصفوهم به، وغلب فشهروا به، وأغنى عن اسم سواه من الأعلام، كتسميتهم بالحسن الأغرّ وما أشبه ذلك، وبعضهم ينزع الألف واللام ويجرى مجرى زيد ونظائره، ويقول حارث وعباس وحسن، وقد يشبهون الشيء بالشيء فيوقعون عليه اسمه، يعرّفونه بالألف واللام فيغلب عليه اسمه كقولهم: النّسران للكوكبين تشبيها لهما بالطائرين، والفرقدان تشبيها لهما بفرقدي بقرة وحشية، وقد يشبهون بقر الوحش بالكواكب لبياضها، وقد يشتقون لبعضها اسما من معان فيها غير مطردة أسماؤه فيما شاركه من المعاني، وغير خارجة عن نظائرها في كلامهم لم تطّرد، كالدبران والعيّوق والسّماك، فأما الدبران فمشتق من دبر يدبر، وهم يذكرون أنه يتبع الثريا ويطلبها خاطبا لها، وليس كل شيء دبر شيئا، فهو دبران، إلّا أن في كلامهم فعلانا في موضع

الفاعل، كقولهم: العدوان للعادي من العدو، والغدوان للغادي وهو السائل، وكذلك


(١) شرح أشعار الهذليين ١/ ١٩، خزانة الأدب ١/ ٤١٨، اللسان (ضرب).

<<  <  ج: ص:  >  >>