حال إخبارك، وإذا قلت: جاءني رجل راكبا، فذلك المعنى تريد، فكرهوا العدول عن لفظ مشاكل للفظ الأول إلى لفظ يخالفه لغير خلاف في المعنى، فلذلك آثروا الصفة في النكرة على الحال.
وأما المعرفة فإن فائدة الحال فيها غير فائدة الصفة؛ لأنك إذا قلت: جاءني زيد أمس الراكب، فالراكب صفة لزيد في حال إخبارك؛ لأنّ زيدا معرفة تحتاج إلى أن يعرفه المخاطب في حال إخبارك، فإذا قلت: جاءني أمس راكبا، فالركوب في حال مجيئه لا في حال إخبارك.
وجعل سيبويه أول فارس مقبلا في باب الحال كقولك: هذا رجل منطلقا لتحقق تنكير أول فارس؛ إذ محله في الإعراب والحال الذي بعده كمحل رجل من هذا رجل.
قال:" واعلم أن ما كان صفة للمعرفة لا يكون حالا ينتصب انتصاب النكرة، وذلك أنه لا يحسن لك أن تقول: هذا
زيد الطويل، ولا هذا زيد أخاك، من قبل أنه من قال هذا فينبغي أن يجعله صفة للنكرة، فيقول هذا رجل أخوك.
ومثل هذا في القبح: هذا زيد أسود الناس، وهذا زيد سيّد الناس.
حدثنا بذلك يونس عن أبي عمرو.
ولو حسن أن يكون هذا خبرا للمعرفة لجاز أن يكون خبرا للنكرة، فتقول:
هذا رجل سيّد الناس، من قبل أنّ نصب هذا رجل منطلقا، فينبغي لما كان حالا للمعرفة أن يكون حالا للنكرة. فليس هكذا، ولكن ما كان صفة للنكرة جاز أن يكون حالا للنكرة، ولا يجوز للمعرفة أن تكون حالا كما تكون النكرة فتلتبس بالنكرة. ولو جاز ذلك لقلت: هذا أخوك عبد الله، إذا كان عبد الله اسمه الذي يعرف به. وهذا كلام خبيث يوضع في غير موضعه ".
قال أبو سعيد: ذكر الصفات للمعارف أنها لا تكون أحوالا للمعارف، وهذا مسلّم إذ كنّا لا نقول: جاءني زيد الراكب على الحال، ولا أعلم أحدا يخالفه في ذلك، ولأن الحال- أيضا- مشبهة للتمييز؛ لأنّا إذا قلنا: جاءني زيد، احتمل أحوالا شتى جاء فيها، كما أنّا إذا قلنا: عشرون، احتمل أن يكون بعدها أنواع كثيرة، فإذا جئت بنوع منها نكّرته ونصبته، فقلت: درهما، أو ثوبا، وكذلك إذا جئت ببعض الأحوال المبهمة نصبته ونكّرته فقلت: جاءني زيد راكبا أو ماشيا أو مسرعا أو مبطئا أو ضاحكا أو باكيا،